الخميس، 3 أبريل 2014

في حب المفاجأة!

امش في نفس الطريق إلى مكان عملك، وكل نفس الغداء من نفس المطعم، وخذ قيلولة في نفس الميعاد قبل أن تلحقها بالذهاب إلى النادي الرياضي نفسه، لتأكل بعدها نفس الوجبة اليومية قبل أن تذهب إلى السرير ساعة النوم، وأضمن لك العيش كزومبي، أو جنوناً سريعاً!
لم يقتل الروتين يوماً إنساناً، ولكن ما يقتل هو موت عنصر المفاجأة وغياب الأمل عن حياة الشخص.
لا يقتل الروتين ولكن ما يقتل هو معرفة الإنسان بأن عائلته لم تختر له اسمه فقط، بل وظيفة المستقبل، وزوجة المستقبل، وبيت المستقبل بجانب المدرسة التي سيرتادها والهوايات التي «تناسبه» وتناسب وضعه الاجتماعي، وأن ما يعيشه الآن هو كل ما ستكون عليه حياته.
ما يقتل هو أن يكون هناك كتيب حياة جاهزاً للشخص كي يتبعه ويجعل منه مساراً لخطواته.
الروتين مرض مقعد يزرع الضجر وينمي اللامبالاة، وبهذا أقصد الكثير منه لا القليل، فجزء منه ضروري للمضي قدماً في الحياة ونحو أهدافنا، بشرط ألا يطغى ذلك على الفرد كأسلوب حياة.
الروتين كوسيلة للتنظيم مطلوب، ولكن ليس لأكثر من ذلك، يجب ترك فراغ للأحداث المنتظرة المجهولة، وللمفاجآت المأمولة، وللعفوية المباغتة. يجب ترك مساحة للحرية وللتحرك دون حساب أو عد للخطوات، فمكالمة تليفونية مفاجئة من صديق يرغب في مقابلتنا هي ما تملأ الحياة، وقرار رب العائلة بالسفر في عطلة الأسبوع، هو ما يؤهبنا لبقية الأسبوع، وإكمال مشاهدة فيلم بدأناه بعد الغداء هو ما يجعلنا نصل إلى وجبة العشاء.
الروتين لازم للإبداع ولإعطاء مجال للتأمل والتفكير، فالكاتب الكبير تينيسي ويليامز لم يكن ليصل مكانه لو لم يثابر في عشرينياته لمدة ثلاث سنوات كتب في كل أسبوع منها قصة، ولم يكن ليصل مكانه لو لم يعط الحياة فرصة ليعيش بها كل يوم بيومه، وحتى روتينه الأسبوعي كان جزءاً صغيراً فقط من حياته ككل، والجزء الأكبر كان لإبقائه حياً.
لن أقول: عيشوا كل يوم ولحظة في حينها، ولكن نظموا أيامكم بحيث تبقون على جزء منها للحياة الأكبر من حولكم، وللحظات تفرون منها وإليها إلى ما يضعه الوقت على صحونكم المليئة. أبقوا على روتينكم وعلى جزء من العفوية، حتى لا تفقدوا المفاجأة، وتبقوا روعة التعجب على وجوهكم من حين لآخر!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...