لطالما شدتني فكرة كتابة اليوميات، و انجذبت نحو الأشخاص الذين يكتبون يومياتهم. فكنت أتساءل بيني و بيني، ما الشيء السحري و المميز في يومهم، و الذي يدفعهم إلى الكتابة عن كل يوم من أيام عمرهم! و لهذا السبب، أي كي أتوصل إلى العوالم الخفية التي توصل إليها هؤلاء الناس، كنت أقرر في بداية كل عام، أن أبدأ في كتابة يومياتي. و يبدأ كل عام بصفحة أو صفحتين أكتبها في دفتر اليوميات، لتتقطع بعدها تواريخ الصفحات، حتى أيأس عن كتابة يومياتي، و أتوقف بعدها نهائياً منتظرة بداية العام القادم.
في هذا العام، و من منتصفه، رجعت مرة أخرى إلى كتابة يومياتي بدون سابق تحضير أو أخذ قرار. و الآن و بعد أن انتظمت في كتابة يومياتي، أستطيع أن أفهم لما يُقال بأن كتابة اليوميات تساعد في تحسين المزاج و تهدئة الأعصاب و التخلص من التوتر و القلق. فكتابة اليوميات فعل علاجي، فيها يكون الورق هو الطبيب النفسي الذي يسأل: ما الخطب؟ ماذا يدور في رأسك اليوم؟ ما الذي تحتاجه؟ ما الذي تأمل حصوله؟ ما الذي تتوقعه؟ ما الذي تخافه؟ هل أنت محبط؟ من ضايقك و لماذا تضايقت؟ هل تنام جيداً؟ هل تأكل طعاماً صحي؟ هل تمارس الرياضة باستمرار؟ هل أنت بخير؟
كتابة اليوميات ليست فقط توثيقاً لتاريخ و تأكيداً على حال مضى.. هي تدوين لمشاعر و أفكار و أحداث و مواقف و خيالات و أحلام، وكل ما شعر و مر به الانسان! و قد تكون كتابة اليوميات عن طريق تدوينها بالقلم، أو تسجيلها بالصوت، أو عن طريق الفيديو. و أياً كانت الطريقة، ابدأ بها عزيز القارئ من اليوم، أينما وصل بك العمر، فقد بدأ غازي القصيبي كتابة مذكراته عندما دنا من الستين عاماً ليخرج لنا (حياة في الإدارة). و أنا لا أطلب منك هنا كتابة مذكراتك أو سيرتك الذاتية، كل ما أطلبه أن تخصص خمسة دقائق من وقتك يومياً، لكتابة صفحة أو صفحتين عن يومياتك. و تختلف السيرة الذاتية عن كتابة المذكرات و اليوميات. فالسيرة الذاتية هي عبارة عن تسجيل لخلاصة الأحداث الكبرى في حياة الانسان معشرح الأحداث أو تبريرها. و لذلك يُطالب الانسان أيضاً بسيرة ذاتية عند تقديمه لطلب التحاق بعمل ما أوتدريب أو للدخول إلى جامعة أو مدرسة عريقة، لأن الجهة التي تطالبه بسيرته الذاتية تُريد معرفة ماهي أحداث حياته الكبرى و ماذا فعل فيها لتعرف إلى أين أوصلته و إلى أين ستأخذه.
أما المذكرات، فهي توثيق لحياة الانسان بشكل مرتب و متسلسل، و قد يكتبها الانسان بشكل يومي أو يكتبهالاحقاً بغرض نشرها، فكلمة المذكرات مشتقة من كلمة ذَكَرَ أي استحضر الأمر بعد مرور وقت على حدوثه.
و تختلف السيرة الذاتية عن المذكرات في كون الأولى شاملة لحياة الانسان بأكملها، أما المذكرات، فقد تغطي مرحلة من حياة كاتبها دون الأخرى، كما فعل السفير محمد بن علي الأنصاري في كتابه (الشباب و حديث الذكريات)، الذي استحضر فيه ذكرياته الرياضية.
و أخيراً، اليوميات، و هي ما يكتبه الانسان بشكل يومي، بلا ترتيب و تحضير لأفكاره و مشاعره، دون أنتكون له نية نشرها. و قد تكون غير مترابطة أو بلا معنى في حالات كثيرة.
اكتب يومياتك. حضر سحرك يومياً. فعندما تكتب يومياتك، أنت تخلق طوق أمل. يرفعك في الأيام السوداء، عندما تتذكر ما كتبته في أيامك البيضاء. و يريحك وجوده في أوقات الرخاء، كتذكرة على أنك وصلت إلى ما أنت عليه بجهدك و اندفاعك إلى الأمام!
جواهر محمد آل ثاني
جريدة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق