الخميس، 3 ديسمبر 2015

مرايا

1 -
 قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث جميل: «إن الله جميل يحب الجمال!»، هذا التصريح تُرى إثباتاته في كل مكان وكل مخلوق، ابتداء من الطبيعة وانتهاء بالإنسان.. إعجازات الخالق مرئية في تفاصيل الجِمال والخيول، وفي ألوان الجزر الاستوائية وقمم الجبال الجليدية.. وإعجازات الله المسموعة تُحرك الأرواح والأفئدة، كقوله تعالى: «وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ». وعرجون النخل هو العود الذي يحمل التمر، وما إن ييبس حتى يتقوس ويصفر كالمحاق والهلال في أول وآخر منازل القمر.. أي جمال يضاهي إبداع كهذا؟.

2 -

من يحاول قراءة شخصية جيكوب في رواية التشيكي ميلان كونديرا «فالس الوداع»، سيحبه لنبالته وعمق تفكيره ووطنيته أو سيكرهه لظاهر نبالته وضحالة تفكيره وجبنه!، وسواء أكان القارئ منتمياً للفريق الأول أو الثاني، سيقف بالتأكيد مثلي في النهاية عندما يواجه جيكوب الجمال، ويشك في الحقيقة التي عمل من أجلها طوال حياته، هل كانت كافية؟ لماذا إذاً شعر بالندم على اكتشافه للجمال فجأة؟، لماذا تحسر على مفارقته الجمال في السنين الماضية؟.
المثير أن اكتشاف جيكوب جعل كاميلا تكشف على تصرفاتها ومشاعرها اتجاه زوجها كليما، هل هذا أثر الفراشة أم أثر الجمال؟.
أثر الجمال، يعريه ويوضح أصله وفصله وروحه، لنعرف بعدها بأن السياح يصطفون لرؤية الموناليزا في متحف اللوفر-رغم جمالها العادي- لأن روح اللوحة هو ما يصنع كل الفرق بينها وبين أي امرأة أخرى أكثر جمالاً، وإن كانت حية!.


3 -

تلا إيليا أبوماضي صلاته: «كن جميلاً ترى الوجود جميلا!». في شطره الفلسفي، يلخص الشاعر أهمية الجمال والشعور به.. بالجمال تطيب الروح والنفس والجسد، فالجمال كله خير دائماً، وإن أصبح شراً، فباستخدام الإنسان.. هل يُوجد منظر طبيعي شرير؟ لا، بل إن زلازل وأعاصير عصرنا الحاضر تحدث معظمها بسبب تدخلات الإنسان، من حفر وحروب، وتلويث بيئي.. هل سمعنا موسيقى هادئة شريرة؟ أو رأينا لوحة بديعة شيطانية؟ هل قرأنا كلاما روحيا إبليسيا؟ وإن حدث فيد الإنسان هي الأولى لا إبليس.
أحض من حولي ومن يقرؤني على الفن، وتذوق الجمال وإبداعات الإنسان، وإن لم يكن من يسمعني أو يقرؤني بفنان، لأن الجمال يغير فينا ما لا نستطيع تغييره بأنفسنا.. يغير الجمال فينا الأجزاء التي نمنع الآخرين عن مشاهدتها أو معرفتها.. الجمال من حولنا هو أفضل عقار لمواجعنا، وأشجع مسرح نواجه عليه مخاوفنا.



جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...