نصيحة يقدمها دائماً المعلمون والمثقفون للقارئ الجديد مفادها: «اكتب ملخصاً أو رأياً عن الكتاب ما إن تنتهي من قراءته».
والبعض يكمل قوله بـ»دوِّن ملاحظاتك على نقاط الكتاب المهمة!»، وهذه النصيحة هدفها مساعدة القراء على فهم وتحليل واستيعاب ما تم تلقيه، وتمريره عبر الكتاب من الكاتب إلى القارئ، بالإضافة إلى أن الفائدة تتعدى إلى ترسيخ أفكار القارئ حول الكتاب، وتساعده على الرجوع إليها في أي وقت، خاصة مع انتشار تطبيقات الكتب مثل goodreads وغيرها من البرامج، حيث يستطيع القارئ أن يودع فيها تقييماته وآرائه في الكتب.
واليوم، أصبحت الساحة الأدبية ممتلئة بغير النقاد والمثقفين الذين يضعون آراءهم وتقييماتهم للكتب التي نقرأها أو سنقرأها، وأصبح لنا -معشر القراء المتواضعين-مكان «نغرد» فيه بتقييماتنا للكتب، حتى باتت لأصواتنا أهمية للأصدقاء والغرباء الذين قد لا يعرفون عنا سوى نوع الكتب المحببة لنا.
وازدادت أهمية صوت القارئ في السوق، وكبر أثره بفضل معدل التقييمات، وما أكثر الكتب الناجحة رغم محاربة النقاد لها بسبب تقييمات عالية من قراء عاديين، لم يدرسوا الأدب في الجامعات ولا الدراسات العليا.
وأضع بين الأيادي اليوم بعضاً مما كتبته عن كتب قرأتها مؤخراً، مثل رواية «مائة عام من العزلة» لكاتبها غابرييل غارسيا ماركيز.
«كل كلمة في مكانها المناسب، بلا كلمة زائدة ولا كلمة ناقصة، هذه الرواية تعادل عشر روايات في أزمنة وأمكنة عابرة للحدود هي ببساطة حلم كل قارئ وكل كاتب».
وعن رواية «مزرعة الحيوان» لجورج أوريل، علقت قائلة:
«الحيوانات جميعها متساوية، لكن بعضها متساو أكثر من الآخرين!».
رواية رائعة بكل ما تمليه على العقل من رمزية وقيم تؤثر في الجميع أياً كان المخيم المنتمي له!.
وفي «سواح في دنيا الله» لمصطفى محمود كتبت:
«يضم الكتاب بين دفتيه مقالات قديمة النشر للمفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود. هذا الكتاب ليس بقوة الكتب السابقة التي قرأتها للدكتور، وعلى الأخص ليس بجودة كتاباته الدينية الروحية الفلسفية.
من يبدأ قراءته لمصطفى محمود عبر هذا الكتاب سيصاب بخيبة أمل، وموجة ملل، لكثرة الحشو الإنشائي فيه، وقلة الأفكار المنوعة. ولهذا أنصح من لم يسبق لهم قراءة مؤلفات الدكتور أن يبدؤوا بكتبه ذات الطابع الديني الفلسفي حتى يكتشفوا عمقه أولاً».
وعن المسخ أو التحول لفرانز كافكا:
«في أقل من مئة صفحة، يُشرِّح كافكا جميع الانفعالات البشرية من اليأس وحتى الرضا. هذا الساحر المستحق لمرتبة كبير السحرة يعلمنا كيف نتعاطف مع ونتقزز من حشرة ضخمة لا تربطنا بها إلا صفيحات قليلة، ولا أستغرب عندما أرى أثره في كتابات بورخيس وهاروكي موراكامي».
وأخيراً، حول «كابوس مكيَّف الهواء» لهنري ميللر:
«قرأت الترجمة العربية للرواية، وكانت جيدة نوعاً ما، ولكن أزعجني وجود الهوامش في آخر الرواية لا تحت الصفحة، خاصة أن الرواية تزيد عن 300 صفحة. صارعت فيها نفسي حتى أكملت المئة صفحة الأولى، ثم صارعت ثانية لأنهي الكتاب. الرواية متكلفة ومملة قليلاً حتى نصفها، ثم تلوح بادرات مشجعة من الكاتب لإنهاء السباق.
ألح الكاتب على أفكار معينة كمادية وعفن أميركا وروعة فنون أوروبا وروحية آسيا، وأعاد هذه الأفكار كثيراً بطريقة أو بأخرى.
أحببت حديثه عن الفن والرسم والكتابة والجمال وكل الصعوبات والأفكار المعبرة في روايته. وهي ما جعلت رحلتي على قاربه محتملة.
الرواية تحتاج لبعض من الثقافة في القارئ، وإلا سيبتعد عنها كلمة.. كلمة».
آرائي السابقة، كون مثلها كتباً ثرية لعظماء مثل عزت علي بيجوفيتش في كتابه طريقي إلى الحرية، وساعات بين الكتب لعباس محمود العقاد.
وأن يختم المرء قراءته لكتاب جيد أو سيئ، بتعبير رأيه، هو أجمل خاتمة وتحية لعالم الفكر والأدب والكتابة، بل والقراءة نفسها، لأنها تتويج لمهرجان القراءة التي تعود على القارئ الجاد بتكوين فكر خاص به، قائم على البحث والتحليل والنقد الذاتي.
دوِّن يا عزيزي القارئ رأيك حول كتبك المقروءة في مكان تحفظه، فيحفظك. ثم أفد نفسك وغيرك عبر مشاركة تقييمك، وأضعف الإيمان تغريدة لا تتعدى 140 حرفاً!.
جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
والبعض يكمل قوله بـ»دوِّن ملاحظاتك على نقاط الكتاب المهمة!»، وهذه النصيحة هدفها مساعدة القراء على فهم وتحليل واستيعاب ما تم تلقيه، وتمريره عبر الكتاب من الكاتب إلى القارئ، بالإضافة إلى أن الفائدة تتعدى إلى ترسيخ أفكار القارئ حول الكتاب، وتساعده على الرجوع إليها في أي وقت، خاصة مع انتشار تطبيقات الكتب مثل goodreads وغيرها من البرامج، حيث يستطيع القارئ أن يودع فيها تقييماته وآرائه في الكتب.
واليوم، أصبحت الساحة الأدبية ممتلئة بغير النقاد والمثقفين الذين يضعون آراءهم وتقييماتهم للكتب التي نقرأها أو سنقرأها، وأصبح لنا -معشر القراء المتواضعين-مكان «نغرد» فيه بتقييماتنا للكتب، حتى باتت لأصواتنا أهمية للأصدقاء والغرباء الذين قد لا يعرفون عنا سوى نوع الكتب المحببة لنا.
وازدادت أهمية صوت القارئ في السوق، وكبر أثره بفضل معدل التقييمات، وما أكثر الكتب الناجحة رغم محاربة النقاد لها بسبب تقييمات عالية من قراء عاديين، لم يدرسوا الأدب في الجامعات ولا الدراسات العليا.
وأضع بين الأيادي اليوم بعضاً مما كتبته عن كتب قرأتها مؤخراً، مثل رواية «مائة عام من العزلة» لكاتبها غابرييل غارسيا ماركيز.
«كل كلمة في مكانها المناسب، بلا كلمة زائدة ولا كلمة ناقصة، هذه الرواية تعادل عشر روايات في أزمنة وأمكنة عابرة للحدود هي ببساطة حلم كل قارئ وكل كاتب».
وعن رواية «مزرعة الحيوان» لجورج أوريل، علقت قائلة:
«الحيوانات جميعها متساوية، لكن بعضها متساو أكثر من الآخرين!».
رواية رائعة بكل ما تمليه على العقل من رمزية وقيم تؤثر في الجميع أياً كان المخيم المنتمي له!.
وفي «سواح في دنيا الله» لمصطفى محمود كتبت:
«يضم الكتاب بين دفتيه مقالات قديمة النشر للمفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود. هذا الكتاب ليس بقوة الكتب السابقة التي قرأتها للدكتور، وعلى الأخص ليس بجودة كتاباته الدينية الروحية الفلسفية.
من يبدأ قراءته لمصطفى محمود عبر هذا الكتاب سيصاب بخيبة أمل، وموجة ملل، لكثرة الحشو الإنشائي فيه، وقلة الأفكار المنوعة. ولهذا أنصح من لم يسبق لهم قراءة مؤلفات الدكتور أن يبدؤوا بكتبه ذات الطابع الديني الفلسفي حتى يكتشفوا عمقه أولاً».
وعن المسخ أو التحول لفرانز كافكا:
«في أقل من مئة صفحة، يُشرِّح كافكا جميع الانفعالات البشرية من اليأس وحتى الرضا. هذا الساحر المستحق لمرتبة كبير السحرة يعلمنا كيف نتعاطف مع ونتقزز من حشرة ضخمة لا تربطنا بها إلا صفيحات قليلة، ولا أستغرب عندما أرى أثره في كتابات بورخيس وهاروكي موراكامي».
وأخيراً، حول «كابوس مكيَّف الهواء» لهنري ميللر:
«قرأت الترجمة العربية للرواية، وكانت جيدة نوعاً ما، ولكن أزعجني وجود الهوامش في آخر الرواية لا تحت الصفحة، خاصة أن الرواية تزيد عن 300 صفحة. صارعت فيها نفسي حتى أكملت المئة صفحة الأولى، ثم صارعت ثانية لأنهي الكتاب. الرواية متكلفة ومملة قليلاً حتى نصفها، ثم تلوح بادرات مشجعة من الكاتب لإنهاء السباق.
ألح الكاتب على أفكار معينة كمادية وعفن أميركا وروعة فنون أوروبا وروحية آسيا، وأعاد هذه الأفكار كثيراً بطريقة أو بأخرى.
أحببت حديثه عن الفن والرسم والكتابة والجمال وكل الصعوبات والأفكار المعبرة في روايته. وهي ما جعلت رحلتي على قاربه محتملة.
الرواية تحتاج لبعض من الثقافة في القارئ، وإلا سيبتعد عنها كلمة.. كلمة».
آرائي السابقة، كون مثلها كتباً ثرية لعظماء مثل عزت علي بيجوفيتش في كتابه طريقي إلى الحرية، وساعات بين الكتب لعباس محمود العقاد.
وأن يختم المرء قراءته لكتاب جيد أو سيئ، بتعبير رأيه، هو أجمل خاتمة وتحية لعالم الفكر والأدب والكتابة، بل والقراءة نفسها، لأنها تتويج لمهرجان القراءة التي تعود على القارئ الجاد بتكوين فكر خاص به، قائم على البحث والتحليل والنقد الذاتي.
دوِّن يا عزيزي القارئ رأيك حول كتبك المقروءة في مكان تحفظه، فيحفظك. ثم أفد نفسك وغيرك عبر مشاركة تقييمك، وأضعف الإيمان تغريدة لا تتعدى 140 حرفاً!.
جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق