الخميس، 13 يونيو 2013

حول العالم في نصف ساعة!

وأنا أهم بالخروج قبل عدة أيام من مكتب السفريات، قدم لي أحد العاملين هناك مجلة ضخمة فيها عروض طيران لعام ٢٠١٣، مع كل ما تحتويه من تفاصيل عن بلدان العالم والفنادق التي تخدم فيها مع أكثر الأماكن ارتياداً وشهرة. تصفحت المجلة طوال طريق العودة إلى البيت. علمت كل الأماكن التي أتمنى زيارتها يوماً ما، وعرجت على المواطن التي زرتها وأقمت فيها بابتسامة الذكرى. زاد شوقي إلى السفر مع تلك الصور الملونة بالأخضر، والعناوين اللافتة مثل دلهي: المدينة الخالدة! وسيشيل: الجزر التي لم تُدلل بعد! وجنوب إفريقيا: أمة قوس قزح!
شعرت بأنني أسافر فعلاً وأنا أقلب صفحات تلك المجلة من آسيا إلى أميركا، مروراً بأوروبا وأستراليا، ورغم أن شعوري لم يماثل شعور السفر الحقيقي، إلا أن أدوات اليوم، تسمح لنا بالسفر الافتراضي الذي يقارب شعور السفر الحقيقي.
عبر الإنترنت ومواقعه مثل موقع «جوجل» لا يمكنك فقط التجول في شوارع المدينة التي تختارها عن طريق «جوجل إيرث» ولكن يمكنك أيضاً التجول في داخل أماكن مختارة في دول العالم مثل المتاحف الوطنية، ومشاهدة ما تعرضه عبر مؤسسة «جوجل» للثقافة!
لهذا قال المرحوم الأستاذ عباس محمود العقاد: «أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني»، فالحياة كلها أسفار من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، وفي أيامه أداة سفرهم المتعارف عليها كانت الكتب، أما الآن فلدينا شبكة الإنترنت والكتب والمجلات والموسيقى والأفلام وحتى اليوجا! ومعظم ما ذكرته كان موجوداً أيام العقاد، ولكنه لم يكن متوفراً للناس، كما هو الحال اليوم. لهذا لا أخاف على من لا يمكنه السفر، وأرثي من يمكنه ذلك، فيقضي نصف يومه نائماً، وربع يومه في الفندق أو الشقة، ليقضي الربع الأخير في المقهى أو المطعم الذي يزوره يومياً!
أجسادنا لا تمنعنا من السفر، عقولنا هي التي تفعل، ولدول العالم حدود، ولعقولنا أيضاً، إن نحن اخترنا ذلك. يمكننا أن نسافر عن طريق القراءة والمشاهدة والاستماع، كما سافر العقاد إلى ألمانيا ليتفلسف، وإلى بريطانيا ليتأدب، رغم أنه لم يطأهما حقيقة، فهو في الواقع لم يسافر خارج مصر إلا لمكة، لكنه نجح في جعلنا نسافر عبر الزمن في عبقرياته، وعبر المكان في دواوينه.
العاجزون هم من يستسلمون لحكم العقل على المكان، أما المغامرون فهم من يشدون على يد الحياة بكل أدواتهم وأدواتها، فيسافرون حول العالم في نصف ساعة إن هم أرادوا، أو أكثر إن هم استطاعوا.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...