السبت، 17 يناير 2015

طوق من حياة

- 1 -
مشكلة الجنس البشري أنه ينسى دائماً حقيقة فنائه الأكيد، فلا نحن قادرون على الخلود، ولا نحن قادرون على تأجيل وفاتنا، كل ما نقدر عليه هو الاستمرار بالعيش حتى نموت بطريقة أو بأخرى! هذا أفضل سبيل لبدء أي مقال، صدمة تشدكم لكلماتي، كما تشد الصعقات الكهربائية الميت إلى الحياة مجدداً، فأكملوا القراءة لو سمحتم.
الحياة لا تأخذ استراحة ولا تموت، الحياة تُحيا فقط، وغير ذلك يترك للإنسان، فيعيشها في داخله قبل أن يعيشها بالخارج، لأن مفاتيحها في يده وكما أشار الفنان دايميان هيرست في معرض من معارضه، يستحيل موت جسد من كان عقله حياً، والحياة تعيش في العقل الحي كما أن توقفها للحظة عند تباطؤ نبضات القلب لا يعني الموت، بل يعني انتظارها لتكمل ما بدأته.

- 2 -
أكتب باستمرار عن الحياة ومعانيها ومشاكلها وما تأخذنا منه، وما توصلنا إليه، ولا أعتقد أنني سأتوقف عن ذلك أبداً، لأنها مستمرة، وأهم من ذلك أنها متغيرة ومتلونة.
كتب قلم أحترمه في يوم من الأيام عن «الشعارات» التي يرفعها الإعلام والمؤسسات التجارية من عيش حياتك والعمر مرة وغيرها، مما يجعل الفرد -بحسب الكاتب- يركز على الحصول على السمكة دون الحرص على حرفة الصيد نفسها، أي يجعل الفرد يصب كل اهتمامه على اليوم دون التفكير في المستقبل وعواقبه. مهم أن نعرف أن الشعارات السابقة لا تتعارض مع المستقبل، بل هي ما تبني له في كثير من الأحيان، فمن يعمل اليوم سيحصد غداً. هذا القلم الذي حارب ما أسماه بالشعارات، حارب في ظني ما قد تخلقه هذه الأفكار من تهور وأخطاء إن لم يحطها الإنسان بضوابط وحدود، كالدين والعادات والتقاليد وغيرها. 
كل ما سماه الكاتب بالشعارات هي معانٍ يجب أن نؤمن بها، لأن الحياة عبارة عن فرصة واحدة مليئة بالخيارات لا الوقت، كثيرة الأشخاص لا الحب، ولذلك يجب أن نعيشها طولاً وعرضاً وبأكملها لنحسن استغلالها وبالضوابط التي تحدثت عنها، لئلا نضر أنفسنا وغيرنا.

- 3 -
سيبصر المتشائم الحياة كصندوق باندورا، وسيقبل المتفائل على الحياة كعلبة شكولاتة من محله المفضل إن كان يحب الشكولاتة، وسيعيش العاشق حياته وهو يعتبرها صندوقاً أسود هدفه إيصاله إلى محبوبه. كل سيرى حياته كما يشتهي لا كما هي بواقعها وشخوصها، وهذا ما يخلق الطموح والأمل، وفي نفس الوقت هجران القناعة واليأس.
الحياة، درس طويل وفسحة قصيرة لا يستمر بها حزن، ولا تخلد فيها سعادة، وهذه الحقيقة وإن لم يعرفها البشر بشكل مباشر إلا أنها سبب استمرارهم في الحياة، وما إن يتوقف أي أحد عن الإيمان بهذه الحقيقة حتى يفقد بوصلة الواقع ويضيع مفتاح الحياة فيَعلق بلا مخرج.


جواهر بنت محمد بن عبد الرحمن آل ثاني

صحيفة العرب القطرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...