الثلاثاء، 19 يونيو 2018

مدخل إلى الهوية اللغوية

شاهدت مؤخراً «Manhunt: Unabomber»، وهو مسلسل مبنٍ على أحداث حقيقية. وتمحورت القصة حول محاولة مكتب التحقيقات الفيدرالية في الولايات المتحدة الأميركية (FBI)، الإمساك بأحد أكبر المجرمين الذي أرهبوا الولايات المتحدة الأميركية في أواخر القرن الماضي، حيث كان يقوم هذا المجرم «تيد كازينسكي» بإرسال طرود تحوي متفجرات إلى الجامعات وشركات الطيران، وإلى غيرهم من الضحايا. وفشلت السلطات الأميركية لأكثر من عقد من الزمان في القبض على كازينسكي، حتى نالوا منه في النهاية عن طريق رسائله، حيث استخدموا لغته ولهجته وطريقته في الكتابة في معرفة صفات شخصيته، ومكان ولادته، وعمره، مما دلهم في الأخير على اسمه، وهويته الشخصية.
ربما تبدو اليوم هذه القصة عادية، لكثرة حديث العلماء والأدباء والفنانين عن قوة الكلمة وأفعالها، إلا أن ذلك في وقتها كان حديث جنون، خاصة لمن يقدسون الأدلة الجنائية المادية، إذ كيف يمكن لكلمة الشخص أن تتسبب بالقبض على صاحبها بدون آثار مادية جانبية؟
نحن الكتاب، نعشق الأحاديث المجنونة، وكما أنه لنا كلماتنا وأسلوبنا الخاص، لكل شخص أيضاً كلماته وحروفه وأسلوبه ومخارج حروفه الخاصة، وأكبر دليل على ذلك أنه يمكن لأحد محبي الشعر العربي الحديث أن يقرأ نصاً ما ويعرف -دون أن يخبره أحد- ما إذا كانت هذه قصيدة لنزار قباني، أو فاروق جويدة.
على هذه الأرض لدينا العديد من اللغات المعروفة وغير المعروفة، ولهجات متفرعة من هذه اللغات، ولهجات متفرعة عن اللهجات الرئيسية، وفي ضوء ذلك كله، يولد أشخاص في هذه البيئات المختلفة، فكيف لنا في خضم كل هذا أن نقول إنه ليس لكل شخص منا هوية لغوية مختلفة عن الآخر، كما له هوية صورية (خلقية)، وهوية وظيفية، وهوية عائلية خاصة به؟

الهوية اللغوية مثل «DNA» تختلف من شخص لآخر، وحتى بين التوائم. والحمد لله على ذلك، فلا أتخيل عالماً مُضْجراً أكثر من عالم يتكلم فيه الناس بالأسلوب والطريقة نفسها.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...