الخميس، 18 يوليو 2013

و اختلفنا!

(١)
أنت تريد، وهو يريد، والأعلى منكم صوتاً، سيفعل ما يريد. والمقصود هنا ليس الأعلى صوتاً في صناديق الاقتراع، بل في حشد الجماهير والصراخ. ليست المشكلة أن كل شخص يرغب في فعل ما يريد، ولكن في البعض الذي لا يريد الآخر أن يفعل شيئاً حتى وإن كان عين ما يريده!
(٢)
الخوف هو المحرك الطبيعي لأي حزب أو جماعة أو طائفة في بداية طريق الديمقراطية. الكل يريد قطعة من الكعكة بعد أن كان محروماً منها. الكل يريد أن يصبح جزءاً من الطاولة التي يتم تداول شؤون الدولة عليها. وهذا حقهم، ولكن ما ليس من حق أحدهم هو رمي الكعكة كي لا تصبح صالحة للأكل بعد أن قضم القطعة الأكبر منها، وما ليس من حق أحدهم أيضاً تكسير الطاولة على رؤوس الجالسين والاحتفاظ بالجزء السليم لنفسه.
السلطة التي يتم تداولها والاحتفاظ بها بهذه الطريقة، سلطة مريضة، لا يمكن أن تُولد أبداً، دولة مستقرة.
(٣)
في ثقافتنا العربية نتعامل مع المختلف وكأنه حشرة يجب سحقها، حيث لا وجود إلا لأفكارنا ومعتقداتنا. في ثقافتنا العربية، نتعامل مع الإقصاء وكأنه أمر مسلم به، فما إن يخطب زعيم بشأن الانتخابات، مثلاً، حتى يؤكد على استحالة إقصاء أحد، ولكن ما إن ينتهي السباق حتى نكتشف بأن من تريده الجماعة الحاكمة، هو الخيار الوحيد الباقي.
كان كل ذلك ليمر مرور الكرام في زمن سابق بلا إعلام ولا وسائل تواصل اجتماعية، ولا كاميرات معلقة في كل مكان، أما الآن، فالتعامل مع متغيرات العصر بما درجت عليه الثقافة العربية، سيخلق حروباً أهلية!
(٤)
التعامل مع الآخر وتقبله ثقافة لا تستورد بل تُولد عن طريق ما يساعد به الشعب، وتراكمه الدولة من عمليات تعزز العدل والمساواة والحرية والقانون. تأتي بعد هذه العمليات كلها، الديمقراطية. وهي أيضاً لا تأتي دفعة واحدة، بل دفعات يسلمها الزمن للشعوب، عبر السلطة الحاكمة. اختلفنا، ورغم ذلك تسامحنا مع الآخر وتقبلنا ما يعتقده، حيث إن ذلك حقه، وحقنا عليه. هذه الصورة التي نتمنى الوصول إليها يوماً ما في وطننا العربي.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...