في يوم مثالي، ستصحو وأنت تفكر في أغنية حلوة، تدندنها وأنت تشرب قهوة مرة، ما أن تنهي عليها حتى تفتح كتاباً لشاعرك المفضل، كنت قد وضعته بجانب كرسيك منذ سنين. ستقرأ قصيدة قبل قراءتك للصحف، لأنك تعتقد بأن الإنسان الذي لا يبدأ يومه بالشعر، كالديك الذي لا يعرف جمال رفرفة أجنحة الطيور.
ستغلق الكتاب مبتسماً لفكرة أو ذكرى زرعها الديوان في ذهنك، لتفتح الحاسب كي تتصفح الصحف اليومية، وخاصة تلك الصحف التي تعرف بأن القائمين عليها يبحثون عن المصدر قبل الخبر، فهذا برأيك ما يصنع الصحافي الجيد.
ستقرأ عن السياسة لأنك تهتم بها بحكم قوميتك العربية، وستقرأ عن الفن لأنك تراه مسرحاً للحياة، وستقرأ عن ما تؤمن به وخاصة ما تشك به، لأن شكك هو ما يغذي إيمانك.
ستنهي قراءة الصحف اليومية بمزيج من مشاعر الاستياء والسعادة بعد قراءتك لكل الأخبار السيئة في العالم، والتي معظمها تصب في محيطك العربي، وستتمنى كل يوم أن تبدأ بقراءة الأخبار أولاً قبل عواميد الرأي والأخبار الأخرى، إلا أنك ستصحو في الغد وستبدأ قراءة الصحف ابتداء من الصفحة الأخيرة وصولاً إلى الأولى، لأنها الطريقة التي تعودت عليها والطريقة التي تحبها.
ستنهي قراءة كل الصحف التي تحبها، ثم ستقوم على مهل لتركب السيارة في طريق بلا زحمة سير لتصل إلى مكان عملك مبكراً. ستسلم على زملائك بابتسامتك، وستبدأ عملك ببسملة. لن يقاطع أحد عملك، ولن تقاطع عملك بمهام حياتك الأخرى، لأنك لن تقلق بشأنها في ذاك اليوم، وستقرر بأنك ستفعل كل شيء في وقته، وأن يومك يتسع لكل الأعمال والمهام.
يعطيك مديرك في ذاك اليوم الحق في أن تعطيه أي رأي أو تعليق أو حتى أن تعرض فكرة ما جالت في رأسك وهدفت إلى تغيير أو تطوير عملك.
ستخرج من عملك سعيداً وراضياً عن نفسك بعد أن تلقيت عبارات تشجيعية من رب عملك. لن تشعر بحرارة الجو لأنك ستكون مشغولاً بالاستماع إلى عبد الحليم حافظ والغناء معه، كيف لا وأنت تشعر بأن إحساسه أقوى من أي وتر، وأن ألحان بليغ حمدي تخترق كل المجالات.. حتى تلك التي لا يسودها هواء!
سترجع إلى البيت لترى العائلة متحلقة حول مائدة الطعام، وأنك وصلت في الوقت المناسب كما قالت أمك باسمة بعدما قبلت رأسها. ستأكل معهم وستخبرهم عما حصل مع مديرك. سينصتون ثم سيعلقون ببهجة من كانوا في مكانك. ستتناول الشاي الأخضر معهم بعد ذلك، ولكن هذه المرة أمام التلفاز، وأمام القناة الوحيدة التي لا تتشاجر أنت وعائلتك بشأنها، لأن والدك يحرص على متابعتها طوال اليوم.
ستسرق ساعة من وقتك وستهديها إلى النوم، ولكنك لن تنام أكثر من ذلك، لأن موعداً مع أصدقائك ينتظرك. ستجتمعون مثل كل حين وحين، وستتحدثون عن مواضيع الحياة والسياسة والفن مما سيُفرقكم وأنتم تتساءلون كيف اجتمعتم بالأصل؟ ثم ستتذكر بأن الناس يتشابهون أكثر مما يعتقدون، ويختلفون أقل مما يعتقدون.
سترجع إلى بيتك بسرعة لأنك تُفضل أن تكون عابر كتاب، على أن تكون عابر سبيل في مكان ما، في زمن ما. فالكتاب بلا مكان ولا زمان. لا حدود لجغرافية الكتاب.
ستخلد إلى النوم بعد تذكرك أنك قضيت صلواتك في أوقاتها. ستحرص على الدعاء في ظلمة لا يراك فيها سوى خالقك، ثم ستمر في ذهنك صور وذكريات جميلة. كل ما ستفكر فيه قبل النوم سيكون أنيقاً ورقيقاً حيث إن هذه هي طريقة تعطيرك لوسادتك، لا بالعطور الفرنسية.
ستنام في تلك الليلة، مرتاح الضمير.
***
قد يكون اليوم المثالي الذي قرأته للتو، من النوع الذي تتمناه، وإن اختلفت بعض خياراتك، فلربما كنت لتختار القهوة بدلاً عن الشاي أو تستبدل أغنية عبد الحليم بأغنية لمحمد عبده أو عمرو دياب، ولكنه رغم ذلك سيبقى يوماً خالياً من المشكلات، بدأته بابتسامة وأنهيته في راحة بال. من عساه أن يتمنى غير أيام مثالية يختارها ليملأ بها حياته؟ على كل شخص أن يتصور الأيام التي يريد أن تنتهي عليها حياته، لأن تصوره هو أكمل الطرق التي يستطيع الشخص عبرها الوصول إلى ذاك اليوم المثالي الذي يتمناه، والذي سيكون بالنسبة لمعظم الناس يوماً جميلاً يقضونه فيما يحبون ومع من يحبون. وإن وصلوا إلى ذاك اليوم عليهم أن لا يكرروا أنفسهم بعده، حيث إن الروتين يقتل التشويق والحماسة. في نفس اليوم عليهم أن يتصوروا يوماً جديداً آخر لأن هذا التصور سيبعث فيهم الأمل، ولكن هذه المرة لن يكون الأمل في يوم مثالي، بل الأمل في يوم آخر.
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر
ستغلق الكتاب مبتسماً لفكرة أو ذكرى زرعها الديوان في ذهنك، لتفتح الحاسب كي تتصفح الصحف اليومية، وخاصة تلك الصحف التي تعرف بأن القائمين عليها يبحثون عن المصدر قبل الخبر، فهذا برأيك ما يصنع الصحافي الجيد.
ستقرأ عن السياسة لأنك تهتم بها بحكم قوميتك العربية، وستقرأ عن الفن لأنك تراه مسرحاً للحياة، وستقرأ عن ما تؤمن به وخاصة ما تشك به، لأن شكك هو ما يغذي إيمانك.
ستنهي قراءة الصحف اليومية بمزيج من مشاعر الاستياء والسعادة بعد قراءتك لكل الأخبار السيئة في العالم، والتي معظمها تصب في محيطك العربي، وستتمنى كل يوم أن تبدأ بقراءة الأخبار أولاً قبل عواميد الرأي والأخبار الأخرى، إلا أنك ستصحو في الغد وستبدأ قراءة الصحف ابتداء من الصفحة الأخيرة وصولاً إلى الأولى، لأنها الطريقة التي تعودت عليها والطريقة التي تحبها.
ستنهي قراءة كل الصحف التي تحبها، ثم ستقوم على مهل لتركب السيارة في طريق بلا زحمة سير لتصل إلى مكان عملك مبكراً. ستسلم على زملائك بابتسامتك، وستبدأ عملك ببسملة. لن يقاطع أحد عملك، ولن تقاطع عملك بمهام حياتك الأخرى، لأنك لن تقلق بشأنها في ذاك اليوم، وستقرر بأنك ستفعل كل شيء في وقته، وأن يومك يتسع لكل الأعمال والمهام.
يعطيك مديرك في ذاك اليوم الحق في أن تعطيه أي رأي أو تعليق أو حتى أن تعرض فكرة ما جالت في رأسك وهدفت إلى تغيير أو تطوير عملك.
ستخرج من عملك سعيداً وراضياً عن نفسك بعد أن تلقيت عبارات تشجيعية من رب عملك. لن تشعر بحرارة الجو لأنك ستكون مشغولاً بالاستماع إلى عبد الحليم حافظ والغناء معه، كيف لا وأنت تشعر بأن إحساسه أقوى من أي وتر، وأن ألحان بليغ حمدي تخترق كل المجالات.. حتى تلك التي لا يسودها هواء!
سترجع إلى البيت لترى العائلة متحلقة حول مائدة الطعام، وأنك وصلت في الوقت المناسب كما قالت أمك باسمة بعدما قبلت رأسها. ستأكل معهم وستخبرهم عما حصل مع مديرك. سينصتون ثم سيعلقون ببهجة من كانوا في مكانك. ستتناول الشاي الأخضر معهم بعد ذلك، ولكن هذه المرة أمام التلفاز، وأمام القناة الوحيدة التي لا تتشاجر أنت وعائلتك بشأنها، لأن والدك يحرص على متابعتها طوال اليوم.
ستسرق ساعة من وقتك وستهديها إلى النوم، ولكنك لن تنام أكثر من ذلك، لأن موعداً مع أصدقائك ينتظرك. ستجتمعون مثل كل حين وحين، وستتحدثون عن مواضيع الحياة والسياسة والفن مما سيُفرقكم وأنتم تتساءلون كيف اجتمعتم بالأصل؟ ثم ستتذكر بأن الناس يتشابهون أكثر مما يعتقدون، ويختلفون أقل مما يعتقدون.
سترجع إلى بيتك بسرعة لأنك تُفضل أن تكون عابر كتاب، على أن تكون عابر سبيل في مكان ما، في زمن ما. فالكتاب بلا مكان ولا زمان. لا حدود لجغرافية الكتاب.
ستخلد إلى النوم بعد تذكرك أنك قضيت صلواتك في أوقاتها. ستحرص على الدعاء في ظلمة لا يراك فيها سوى خالقك، ثم ستمر في ذهنك صور وذكريات جميلة. كل ما ستفكر فيه قبل النوم سيكون أنيقاً ورقيقاً حيث إن هذه هي طريقة تعطيرك لوسادتك، لا بالعطور الفرنسية.
ستنام في تلك الليلة، مرتاح الضمير.
***
قد يكون اليوم المثالي الذي قرأته للتو، من النوع الذي تتمناه، وإن اختلفت بعض خياراتك، فلربما كنت لتختار القهوة بدلاً عن الشاي أو تستبدل أغنية عبد الحليم بأغنية لمحمد عبده أو عمرو دياب، ولكنه رغم ذلك سيبقى يوماً خالياً من المشكلات، بدأته بابتسامة وأنهيته في راحة بال. من عساه أن يتمنى غير أيام مثالية يختارها ليملأ بها حياته؟ على كل شخص أن يتصور الأيام التي يريد أن تنتهي عليها حياته، لأن تصوره هو أكمل الطرق التي يستطيع الشخص عبرها الوصول إلى ذاك اليوم المثالي الذي يتمناه، والذي سيكون بالنسبة لمعظم الناس يوماً جميلاً يقضونه فيما يحبون ومع من يحبون. وإن وصلوا إلى ذاك اليوم عليهم أن لا يكرروا أنفسهم بعده، حيث إن الروتين يقتل التشويق والحماسة. في نفس اليوم عليهم أن يتصوروا يوماً جديداً آخر لأن هذا التصور سيبعث فيهم الأمل، ولكن هذه المرة لن يكون الأمل في يوم مثالي، بل الأمل في يوم آخر.
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر
اتمنى ان اعيش هذا اليوم ..مره واحده شهريا :)
ردحذف