الاثنين، 22 مارس 2021

حان وقت التعافي!

 

٢٠٢٠ كانت سنة عصيبة على العالم أجمع. الجميع خسر شيئاً ما، إما عمله أو ماله أو صحته أو قريب له! كوفيدـ١٩، كان و لا يزال السبب وراء كل ذلك. ففي نفس هذا الوقت من العام المنصرم، المطارات و المقاهي و المحلات التجارية أُغلقت. العائلات و الأصدقاء تفرقوا. الاقتصاد العالمي تدهور. تملك الناس الرعب و الهلع، كل ذلك و غيره، كان له أثره الباقي في صحة الانسان النفسية و الجسدية. و علة الجسد، قد يكون تشخصيها و تطبيبها متاح و سهل، و لكن علة العقل و النفس و العاطفة هي المعضلة الحقيقية. و برأيي هذه العلل النفسية هي أبرز مخلفات كوفيدـ١٩ حول العالم.

في دراسة تم القيام بها في شهر يونيو من العام المنصرم، تم الإفصاح بأن ٤٠٪ من الأفراد البالغين يعانون من اضطراب نفسي أو مشكلة تعاطي مواد مخدرة. و أن شخص من بين كل ٦ أشخاص ما بين الأعمار ٦ و حتى ١٧ سنة سيعاني من اضطراب نفسي كل سنة. تم عمل هذه الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، فكيف لو أنها شملت الدول التي كابدت إغلاقات كورونا بالإضافة إلى الحرب و المجاعة و الفقر؟! الأكيد بأن الإحصائيات ستكون مختلفة و أكثر إزعاجاً. و من هنا أشدد على أهمية الصحة النفسية. فإن استقرت النفس، وجد الجسد توازنه و مركزه. و أخص بالذكر الاضطرابات النفسية مثل القلق و التوتر و الاكتئاب و الرهاب الاجتماعي و الوسواس القهري، الذي أظهره كوفيدـ١٩ على السطح بعد الاغلاقات العالمية و التباعد الاجتماعي و الإجراءات الاحترازية. فلا يجب التهاون أبداً مع هذه الاضطرابات التي تؤثر على سلوك الفرد و تفكيره بشكل سلبي، بل و قد تتطور إلى رغبة في الانتحار أو إيذاء النفس أو الغير أو أن تؤدي إلى أمراض عقلية لا سمح الله في حال تجاهلها أو التأخر في علاجها.

الصحة النفسية مهمة بقدر الصحة الجسدية أو ربما أكثر. و هذا ما يجب أن يتأصل في ذهن العقلية العربية التي لا تزال ترى أن سبب الاضطرابات النفسية (الرئيس) هو "البعد عن الله و التخلي عن العبادات". فكم من شخص مكتئب، قيل له: "صلْ، و اقرأ سورة أو سورتين من القرآن، لتبعد عنك الأفكار السوداء!". كم من شخص قلق قيل له:" تعوذ من ابليس و كل وجبة خفيفة تطفأ بها دوار رأسك و برودة أطرافك!". هذه العقلية الخائفة حتى الموت من الاضطرابات النفسية، هي ما تساهم في تكاثر الاضطرابات النفسية و نموها.

يجب علينا أن نتقبل وجود الأمراض النفسية في المجتمع العربي، و أن نجعلها أمرأً عادياً بتعاملنا معها كما نعامل الأمراض الجسدية، عبر الذهاب إلى الأطباء المختصين، و أن نتحدث عنها بشكل طبيعي في جلساتنا اليومية و الاجتماعية. لا عيب في المكتئب الذي يحاول التخلص من اكتئابه، العيب كل العيب في من يرى في الذهاب إلى الطبيب النفسي أمراً يدعو إلى السخرية و التنمر!

الحديث عن الصحة النفسية و خاصة في وقتنا الحاضر يطول، خاصة مع حالة التباعد الاجتماعي الذي أُجبرنا عليه، و لكن هنالك خطوات صغيرة يمكننا التمسك بها حفاظاً على صحتنا النفسية و العاطفية، أبرزها التمسك بعلاقاتنا الاجتماعية و إن كانت "عن بعد" في أيامنا هذه. فالعلاقات الاجتماعية الناجحة أو "المحبة" وفقاً لدراسة شهيرة أعدتها جامعة هارفرد هي أهم سر لسعادة الانسان. و في النهاية، علاقاتنا الاجتماعية هي ما قد يساعدنا للحفاظ على صحتنا النفسية و النجاة بها في زمن الكورونا و ما بعدها.

 

جواهر محمد آل ثاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...