قررت اليوم أن أكتب عن صاحبي، وقررت أن أسميه «العربي»، لأنه يتحدث ويفعل «العربية» بكل طلاقة! نعم، العربية اليوم «تُفعل» لا تُكتب ولا تُقرأ، فقط. أصبحنا نحن العرب نُعرف من سيمانا ومن أفعالنا التي أصبح لها نمط نُعرف من خلاله، أو بالأحرى نُفضح من خلاله. ها قد أخذتني عقدة الفخر بعروبتي مرة أخرى، وبدأت بالحديث عن معشرنا نحن العرب ونسيت صاحبي العزيز!
أعرف العربي منذ سنوات بعيدة، ولكي أكون دقيقة مذ أن عرفت معنى الخذلان. قابلته أول مرة في مجلس أصدقاء مشترك في أوروبا، كان يتكلم بحماسة فيبتسم ابتسامة الشمس تارة ويضحك ضحكة الربيع تارة أخرى. تحدث بخفة النور عن الأدب، السياسة، الفن، وكل المواضيع الثقافية الممتعة. كان متحدثاً ممتازاً لا يمل السامع منه، وكان مستمعاً رائعاً لا يشتت انتباهه شيء. أما كان فتدل على زمان ماض، مضى بغير رجعة! كان ذلك وكان إلى أن زرت صاحبي في وطنه، فاكتشفت في أقل من ساعة ونصف الساعة أن صاحبي لا يبتسم لغيره في وطنه، ولا يُعطي أذنه لأحد، فلا أحد يستحق الجهد كما يقول! اكتشفت بأن صاحبي الذي عرفته علمانياً، هو في الواقع ليبرالي سلفي! ليبرالي مع حبيبته، سلفي مع أخته. واكتشفت بأنه من أكثر الناس براً بزوجته وأكثرهم عقوقاً لوالدته. اكتشفت به الخطيب الذي لا يتورع عن النهي عن المنكر والنهي عن المنكر، فجل حديثه في بيته عن الحرام المطلق والحرام المغلظ! اكتشفت بأن صاحبي لا «يرضاها» على أخته و»يرضاها» على صديقته، أما عقله الذي رأيته يوماً معقداً مثيراً للاهتمام هو بسيط في الحقيقة كبساطة حجرة أو غيمة فارغة ستتبخر بعد دقائق! اكتشفت أشياء عجيبة في صاحبي المليء بالتناقضات، والذي كما تقول أغنية محمد عبده عنه «مجموعة إنسان»!
هذا كل ما لدي لأقوله عن صاحبي، وبعد أن أنهيت كتابتي عنه وأرحت ضميري بالكتابة، يجب علي أن أعترف بأنه لا وجود لهذا المُلقب بالعربي في محيطي الشخصي، لكنني سأسأل، قبل أن يلعن أحدهم خيالي، هذا السؤال: لماذا شعرنا كلنا بأن هذا «العربي» رجل مرئي غير مستحيل، وبأننا نعرفه بطريقة أو بأخرى؟
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر
أعرف العربي منذ سنوات بعيدة، ولكي أكون دقيقة مذ أن عرفت معنى الخذلان. قابلته أول مرة في مجلس أصدقاء مشترك في أوروبا، كان يتكلم بحماسة فيبتسم ابتسامة الشمس تارة ويضحك ضحكة الربيع تارة أخرى. تحدث بخفة النور عن الأدب، السياسة، الفن، وكل المواضيع الثقافية الممتعة. كان متحدثاً ممتازاً لا يمل السامع منه، وكان مستمعاً رائعاً لا يشتت انتباهه شيء. أما كان فتدل على زمان ماض، مضى بغير رجعة! كان ذلك وكان إلى أن زرت صاحبي في وطنه، فاكتشفت في أقل من ساعة ونصف الساعة أن صاحبي لا يبتسم لغيره في وطنه، ولا يُعطي أذنه لأحد، فلا أحد يستحق الجهد كما يقول! اكتشفت بأن صاحبي الذي عرفته علمانياً، هو في الواقع ليبرالي سلفي! ليبرالي مع حبيبته، سلفي مع أخته. واكتشفت بأنه من أكثر الناس براً بزوجته وأكثرهم عقوقاً لوالدته. اكتشفت به الخطيب الذي لا يتورع عن النهي عن المنكر والنهي عن المنكر، فجل حديثه في بيته عن الحرام المطلق والحرام المغلظ! اكتشفت بأن صاحبي لا «يرضاها» على أخته و»يرضاها» على صديقته، أما عقله الذي رأيته يوماً معقداً مثيراً للاهتمام هو بسيط في الحقيقة كبساطة حجرة أو غيمة فارغة ستتبخر بعد دقائق! اكتشفت أشياء عجيبة في صاحبي المليء بالتناقضات، والذي كما تقول أغنية محمد عبده عنه «مجموعة إنسان»!
هذا كل ما لدي لأقوله عن صاحبي، وبعد أن أنهيت كتابتي عنه وأرحت ضميري بالكتابة، يجب علي أن أعترف بأنه لا وجود لهذا المُلقب بالعربي في محيطي الشخصي، لكنني سأسأل، قبل أن يلعن أحدهم خيالي، هذا السؤال: لماذا شعرنا كلنا بأن هذا «العربي» رجل مرئي غير مستحيل، وبأننا نعرفه بطريقة أو بأخرى؟
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر