كمتابعة لأزمة البحرين، وخاصة بعد الأحداث الأخيرة في الأسبوع الماضي من تفجيرات وتزايد في المواجهات القائمة بين الأمن وبعض المشاغبين، تحمست كثيراً بعدما عرفت بإطلاق العربية فيلماً وثائقياً عن البحرين، ومُعداً من قبل كبير مراسلي العربية هناك، متأملة بأنه سيذكر وجهات نظر أخرى غير تلك التي تفردت بها الجزيرة الإنجليزية في أغسطس من العام الماضي باسم «صراخ في الظلام».
محمد العرب الذي يصف نفسه -عبر حسابه في «تويتر»- بأنه مسلم عربي شمري زوبعي، خرج لنا ممثلاً العربية والعرب في وثائقي سُمي بـ «البحث عن المؤامرة». ركز الفيلم عن المؤامرات، وكونها سبباً في قيام الثورات، وربطها بأكاديمية تُسمى أكاديمية التغيير والتي تُوجد في فيينا، ولها مقر في الدوحة -بحسب الفيلم-، وقيل في الوثائقي أيضاً إن هذه الأكاديمية تُجند النشطاء خاصة، والشباب العربي عامة، كي يصطفوا في صفوف الثورات ويبلوروا مبدأ الفوضى السياسية. كما لمح الفيلم أن الثورات قامت بسبب تدخلات خارجية تدعم و»تمول» الأكاديمية.
كان فيلم العربية مخيباً للتطلعات، كما فعل فيلم الجزيرة من قبل، ففيه ثغرات لا تُسد، وأخطاء لا يمكن إغفالها. لا يمكن ربط ما يحدث في البحرين والعالم العربي بنظام المؤامرة، وأكاديمية، يُشير الفيلم إلى أنها هي من تحبك المؤامرة وتنفث الروح فيها. الثورات العربية قامت لأن شعوبها لم تعد قادرة على تحمل الظلم والجور والقمع والفقر، وأسباب كثيرة ليس من ضمنها -في بداية الثورات العربية- المؤامرة، فالبوعزيزي بائع الخضار التونسي الذي أحرق نفسه والدول العربية معه، لم يتخرج من دورة تدريبية في أكاديمية التغيير، وأكاد أجزم أن العشرين مليون مصري الذين تجمعوا في ميدان التحرير لقرع مبارك ونظامه. لا يعرفون حتى بوجود أكاديمية بهذا الاسم، وأنها في النمسا، أيضاً!
التدخل الخارجي في الثورات موجود، فكل دولة من دولنا العربية مخترقة، ولا يوجد نظام آمن كل الأمن من التدخلات والمخابرات الخارجية، ولكن هذه التدخلات لم تبعث الثورات العربية، ولم تصدرها الواحدة تلو الأخرى في عالمنا الإسلامي، فأميركا وإيران وإسرائيل وأي دولة أخرى تريدون إضافتها لهم، لم تعرف أن أحوال معظم الدول العربية ستتغير بعد اليوم السابع عشر من ديسمبر 2010، فكيف إذاً حاكت المؤامرة الثورات وسيرتها؟ وكيف أسهمت أكاديمية التغيير في ذلك، وهي التي بدت في الفيلم كمؤسسة تعليمية عادية تحاول إيصال أفكار عادية لا تبدو متطرفة. ولو كانت كذلك ما كان ليخرج القائمون عليها إلى الشاشة الكبيرة «ليفضحوا» أنفسهم والمؤامرات التي يحيكونها في بلداننا!
الفيلم الوثائقي قام على أسس غير موضوعية، ويرجع ذلك إلى أن التركيز كان على البحرين والمؤامرة، وهذان المحوران لا ننكر صلة قرابتهما لكن فشل الوثائقي في ربطهما ببعض بعرى وثيقة، حتى إن أغلب ما ظهر فيه لم يُسند بأدلة قاطعة، فكل ما عرفناه أن هناك أكاديمية تعطي دورات تدريبية في فكر يغذي مسلكي الحقوق والحريات، وأما غير ذلك، كان اجتهادات وآراء شخصية من صانعي الفيلم والظاهرين فيه. كما حاول الربط بين الإخوان المسلمين وإيران في ما يجري في البحرين، وهذا أيضاً غير الأشياء التي تخالف المنطق فلا تترابط. كقول الكاتب البن خليل بأنه دفع أموالاً صُبت في حسابات قطرية كي ينتسب إلى الأكاديمية، ثم قول محمد العرب في موضع آخر إن الأكاديمية تعطي الدورات بشكل مجاني للطلاب! هذا غير الإسقاطات والتلميحات التي خُصت بها دولة دون غيرها!
كتبت في ٣ فبراير ٢٠١١: «لماذا نحاول -كعرب- أن نبحث في كل أمر عن المؤامرة؟ هل هو حبنا الكبير للدراما؟ أم هل هو عشقنا لتعقيد الأمور وجعلها تبدو على غير ما هي عليه؟ لا يهم، فرؤوس العرب تستلذ بإيجاد هذه الأسباب الكثيرة والمؤامرات المريرة!»، ولم أعرف وقتها أن فكرة نظام المؤامرة ستستمر، حتى بعد مرور أكثر من عام على الربيع العربي وكتابتي لذلك، وعلى العموم الوعد في القادم، فلننتظر الجزء الثاني الذي يُقال إنه سيتبع هذا، ولنر، فلربما ستتضح الفكرة أكثر!
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر
محمد العرب الذي يصف نفسه -عبر حسابه في «تويتر»- بأنه مسلم عربي شمري زوبعي، خرج لنا ممثلاً العربية والعرب في وثائقي سُمي بـ «البحث عن المؤامرة». ركز الفيلم عن المؤامرات، وكونها سبباً في قيام الثورات، وربطها بأكاديمية تُسمى أكاديمية التغيير والتي تُوجد في فيينا، ولها مقر في الدوحة -بحسب الفيلم-، وقيل في الوثائقي أيضاً إن هذه الأكاديمية تُجند النشطاء خاصة، والشباب العربي عامة، كي يصطفوا في صفوف الثورات ويبلوروا مبدأ الفوضى السياسية. كما لمح الفيلم أن الثورات قامت بسبب تدخلات خارجية تدعم و»تمول» الأكاديمية.
كان فيلم العربية مخيباً للتطلعات، كما فعل فيلم الجزيرة من قبل، ففيه ثغرات لا تُسد، وأخطاء لا يمكن إغفالها. لا يمكن ربط ما يحدث في البحرين والعالم العربي بنظام المؤامرة، وأكاديمية، يُشير الفيلم إلى أنها هي من تحبك المؤامرة وتنفث الروح فيها. الثورات العربية قامت لأن شعوبها لم تعد قادرة على تحمل الظلم والجور والقمع والفقر، وأسباب كثيرة ليس من ضمنها -في بداية الثورات العربية- المؤامرة، فالبوعزيزي بائع الخضار التونسي الذي أحرق نفسه والدول العربية معه، لم يتخرج من دورة تدريبية في أكاديمية التغيير، وأكاد أجزم أن العشرين مليون مصري الذين تجمعوا في ميدان التحرير لقرع مبارك ونظامه. لا يعرفون حتى بوجود أكاديمية بهذا الاسم، وأنها في النمسا، أيضاً!
التدخل الخارجي في الثورات موجود، فكل دولة من دولنا العربية مخترقة، ولا يوجد نظام آمن كل الأمن من التدخلات والمخابرات الخارجية، ولكن هذه التدخلات لم تبعث الثورات العربية، ولم تصدرها الواحدة تلو الأخرى في عالمنا الإسلامي، فأميركا وإيران وإسرائيل وأي دولة أخرى تريدون إضافتها لهم، لم تعرف أن أحوال معظم الدول العربية ستتغير بعد اليوم السابع عشر من ديسمبر 2010، فكيف إذاً حاكت المؤامرة الثورات وسيرتها؟ وكيف أسهمت أكاديمية التغيير في ذلك، وهي التي بدت في الفيلم كمؤسسة تعليمية عادية تحاول إيصال أفكار عادية لا تبدو متطرفة. ولو كانت كذلك ما كان ليخرج القائمون عليها إلى الشاشة الكبيرة «ليفضحوا» أنفسهم والمؤامرات التي يحيكونها في بلداننا!
الفيلم الوثائقي قام على أسس غير موضوعية، ويرجع ذلك إلى أن التركيز كان على البحرين والمؤامرة، وهذان المحوران لا ننكر صلة قرابتهما لكن فشل الوثائقي في ربطهما ببعض بعرى وثيقة، حتى إن أغلب ما ظهر فيه لم يُسند بأدلة قاطعة، فكل ما عرفناه أن هناك أكاديمية تعطي دورات تدريبية في فكر يغذي مسلكي الحقوق والحريات، وأما غير ذلك، كان اجتهادات وآراء شخصية من صانعي الفيلم والظاهرين فيه. كما حاول الربط بين الإخوان المسلمين وإيران في ما يجري في البحرين، وهذا أيضاً غير الأشياء التي تخالف المنطق فلا تترابط. كقول الكاتب البن خليل بأنه دفع أموالاً صُبت في حسابات قطرية كي ينتسب إلى الأكاديمية، ثم قول محمد العرب في موضع آخر إن الأكاديمية تعطي الدورات بشكل مجاني للطلاب! هذا غير الإسقاطات والتلميحات التي خُصت بها دولة دون غيرها!
كتبت في ٣ فبراير ٢٠١١: «لماذا نحاول -كعرب- أن نبحث في كل أمر عن المؤامرة؟ هل هو حبنا الكبير للدراما؟ أم هل هو عشقنا لتعقيد الأمور وجعلها تبدو على غير ما هي عليه؟ لا يهم، فرؤوس العرب تستلذ بإيجاد هذه الأسباب الكثيرة والمؤامرات المريرة!»، ولم أعرف وقتها أن فكرة نظام المؤامرة ستستمر، حتى بعد مرور أكثر من عام على الربيع العربي وكتابتي لذلك، وعلى العموم الوعد في القادم، فلننتظر الجزء الثاني الذي يُقال إنه سيتبع هذا، ولنر، فلربما ستتضح الفكرة أكثر!
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر