يُقال دائماً: "افعل ما تحب، و لن تعمل يوماً واحداً في حياتك!" و لكن كيف يمكننا تحقيق ذلك؟ كيف يمكننا الوصول إلى ما نحب فعله و يكفينا في هذه الحياة؟ أسرع طريق لتحقيق ذلك في الفلسفة اليابانية، هو عبر مفهوم الإيكيغاي.. و التي يقول عنها الكاتب الأمريكي دان بويتنر، أنها سبب من أسباب العمر الطويل و السعيد بعدما بحث مطولاً في أسباب متوسط العمر المرتفع في مدينة أوكيناوا اليابانية، و غيرها من المدن حول العالم.
و لكي تعرف الإيكغاي الخاص بك، أو "هدفك بالحياة" أو "سبب عيشك على هذه الأرض"، عليك أن تبحث أولاً عما تحب فعله. هل تحب الكتابة؟ هل تحب الحساب؟ هل تحب القراءة؟ السفر؟ التطوع؟ الفن؟ البرمجة؟ الرسم؟ الاستكشاف؟ التصوير؟ ما الذي تحب القيام به؟ ابحث كثيراً عما تحبه و دونّ كل شيء تستمع القيام به. و من ثم ابدأ بالخطوة الثانية.
اسأل نفسك: ما الأمور التي أحبها، و أبرع بالقيام بها؟ و اكتبها كلها.. أنا أحب النحت، و أنا نحات بارع! أنا أحب الحديث العلني، و أنا متحدث رائع! و هكذا..
تمعن جيداً في مهاراتك و الأمور التي تحب القيام بها. و بعد ذلك، افرز ما كتبته، و تساءل: ما الذي يمكنني فعله مما أحب و أبرع فيه، و قد أتقاضى أجراً مادياً أو معنوياً من ورائه؟ أي ما العمل الذي قد يكون مصدر رزق لي أو دافعاً معنوياً لي كي أستمر في هذه الحياة؟ و بعد أن تجد جوابك، اسأل نفسك أخيراً: هل العالم يحتاج هذا الآن؟ هل العالم يحتاج ممثل جديد؟ هل الناس تحتاج مدرب حياة آخر؟ هل العالم يحتاج إلى مقهى جديد؟ شركة توصيل جديدة؟ ما الذي يحتاجه العالم و أستطيع تقديمه؟
اجلس مع نفسك و دون جميع الأجوبة على هذه الأسئلة: ما الذي أحب فعله؟ ما الذي أبرع بالقيام به؟ ما الذي قد أتقاضى أجراً عليه؟ ما الذي يحتاجه العالم اليوم؟ و عندما تجد الجواب المشترك بين الأجوبة، ستجد هدفك في الحياة، و لن تعمل يوماً آخر في حياتك وفق الفلسفة اليابانية.
ابحث عن الايكيغاي الخاص بك في داخلك، و إن لم تستطع العثور عليه، فلا بأس، اعمل على نفسك و على ما تحب فعله بمفهوم "الكايزن" الياباني، أي التحسين المستمر. افعل ما تحبه، و طور فيه و من نفسك بشكل دائم. و لا تحمل نفسك تحسينات كبيرة. ابدأ صغيراً بتغييرات بسيطة كل يوم. تغييرات بالكاد يمكن ملاحظتها، أو حتى قد يضحك الآخرين عليها أو على تفاهتها وفق قاعدة التطور و التحسين بنسبة ١٪. و لكن هذه الأفعال الصغيرة التحسينية اليومية، ستكون يوماً ما جبلاً من التطور و التحسن و الأعمال الكبيرة. هذه الأفعال الصغيرة و قاعدة ١٪ من التطور و التحسن المستمر هي ما حولت الفريق الوطني البريطاني من فريق متوسط المستوى إلى فريق عالمي حائز على ستة عشر ميدالية ذهبية أولمبية على مدى عامين فقط وفق مديره السابق ديف بريلزفورد! و من الأفعال الصغيرة التي طورت الفريق البريطاني كان صبغ أرضية الشاحنة التي تحمل الدراجات باللون الأبيض، حتى يتسنى لهم رؤية أي غبار يتجمع على الأرضية و الذي قد يؤثر على صيانة الدراجات! بالإضافة إلى شحن الأسرة و المخدات المخصصة لكل دراج بباص الفريق حتى لا تُترك راحتهم للصدف و أسرة الفنادق العشوائية و غير المريحة في المدن التي سيزورونها!
ابحث عما تحبه و قمْ به. تمسك به. طوره و طور من نفسك. ابدأ بدافع الإيكيغاي الخاص بك، أو اقضي حياتك و أنت تنمي من نفسك بنسبة ١٪ يومياً، و لكن ابدأ، فالتغيير يبدأ بك من الداخل، لا من الخارج.
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة الشرق