يذكر أحمد الشقيري في كتابه (أربعون) قصة رجل، سمع عن قوم يعبدون شجرة، فغضب و قرر أن يذهب ليقطع الشجرة. و في طريقه، أتاه الشيطان في هيئة رجل، و قال له: ما دخلك بهم! اتركهم و اذهب إلى بيتك، و ستجد عشرة دراهم تحت وسادتك في كل صباح! رجع الرجل إلى بيته، و وجد المال في الأيام الأولى، ثم انقطع المال. فغضب الرجل و ذهب ليقطع الشجرة، فلقى الشيطان نفسه في طريقه، يسأله: إلى أين ذاهب؟ قال الرجل: أنا ذاهب لقطع الشجرة. فقال الشيطان: قبل أن تقطعها سأقطع يدك! فقال الرجل: مالك لم تقل هذا الكلام بالأمس؟ فرد الشيطان: بالأمس كان غضبك لله، فلم أستطع منعك إلا بالحيلة، أما اليوم فغضبك للدراهم، فلي عليك سلطان!
يستشهد الشقيري بهذه القصة، ليُوضح بأن الغضب الذي يجتاح البعض اتجاه الدين في بعض المرات، قد لا يكون منبعه الدين في الواقع، بل النفس، كما يحصل عندما يغضب البعض غضباً عارماً عند الإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه و سلم، و لا يغضبون أو يستاؤون عندما تتم اهانة أنبياء الله موسى و عيسى عليهما السلام رغم قوله تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله) (سورة البقرة:٢٨٥). فيكون السبب الحقيقي وراء الدفاع عن رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، كونه نبي الإسلام العربي، وليس خالصاً لوجه الله!
و كما يحصل عندما يستنفر البعض لمساعدة دولة مسلمة قريبة بالمسافة-ولو بكلمة-عندما يصيبها مصاب ما، أما الدولة المسلمة البعيدة، فبعيدة عن القلب و العين و المساعدة، رغم كل المصائب و المشاكل التي تواجهها. الدولة الأولى، قريبة منا و قد تكون من الدول التي نزورها و نسمع عنها دائماً، أما الدولة الثانية فبعيدة و منسية!
على الانسان أن يتعمق في مشاعره، و أن يراجع نفسه. عندما يغضب، هل يغضب لنفسه.. لغروره.. أم لله و في سبيل الإحسان؟ هل غضبه حقيقي أم مصطنع؟ هل هو غاضب لأجله أم لله؟ عندما يستاء، ما سبب استيائه الحقيقي؟ عندما يشتم أحد ما الإسلام أو العرب هل سيغضب لأن أحد ما طعنه في هويته، أم سيغضب لأنه يخاف الله و لأنه انسان؟ هل سيغضب الغضب ذاته أو على الأقل سيستاء لو قام أحد ما بسب المسيحية أو الأفارقة أمامه أم أنه سيصمت و سيدعي عدم سماع شيء؟
ابحثوا في أنفسكم عن أسباب غضبكم الحقيقية. و من ثم غيروها، و تغيروا إلى الأفضل.
اغضبوا لله.. استاءوا لأمور أكبر منكم، مثل الأخلاق و القيم و المبادئ المتينة و العظيمة. لا تغضبوا من أجل أنفسكم و غروركم الصغير. هذا العالم أكبر منكم، و أكبر من النفاق و الغرور، فالغرور و النفاق يسقطان في النهاية، و يبقى الله عز وجل.. و الدنيا.. و القيم الجللة!
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق