هذا مؤمن و ذاك كافر!
قد يحدث بأن ينفجر بركان أو ينهار مبنى على مقيميه فيتطوع أحدهم بتلفظ عبارة: هذا من غضب ربي عليهم! أو أن يرى أحدهم رجل ناجح أو غني أو مشهور غير مبتسم في يوم ما، فيقول: الله يأخذ و يعطي! في إشارة إلى أن الله أعطاه المال أو الصيت أو أياً كانت الميزة المرئية، و أخذ منه سعادته! أو أن ينزل مطر على دولة فقيرة، فنسمع أحدهم يصرح بأن الله ينزل عليهم المطر رحمة بهم! ماذا إذاً عن الدول التي لا يزورها المطر؟ و ما حال هذه الدول الفقيرة عندما تتحول فيها الأمطار إلى فيضانات؟ ما الحكم هنا لأصحاب المقولات السابقة؟
على الأرجح لديهم ردود جاهزة يرمونها يمنة و يساراً كأحكامهم الأخرى مثل: هذا مؤمن و هذا كافر! بل و امتدت الأحكام إلى التعليق حولنية شخص قد لا يعرفونه كقولهم: يبدو من شكله بأنه يخاف ربه!
كلنا نطلق الأحكام. أنا أطلق الأحكام في معرض حديثي هذا على مطلقي الأحكام، لكن الأحكام التي يلقونها ليست عادية مثل المتمحورة حول صفات الشخص مثل كونه غير اجتماعي لأنه لا يخرج كثيراً أو غيرها من الصفات غير السيئة بالضرورة.. الأحكام التي يطلقونها تدخل في دين الشخص و غيبيات يستحيل على أي انسان معرفتها أو التحقق من صحتها مثل رحمة الله و الجنة و النار و نية الشخص و مقاصده و إيمانه.
هل الأحكام الصادرة عنا نتيجة تربية دينية في بيئة اجتماعية محافظة جداً؟ هل هي بسبب عبارات توارثناها و سمعناها دائماً من آبائنا و أجدادنا؟ هل توجد أسباب أخرى لهذه الأحكام التي و إن لم ينطق بها بعضنا فالأكيد بأنها طرأت لا إرادياً داخل عقله؟
الدين لا علاقة له بالأحكام المسموعة كل يوم تقريباً، هنا و هناك في عالمنا العربي. تعاليم الإسلام تنص على أن رحمة الله تسع كل شيء، و أن لا أحد أفضل من أحد إلا بالتقوى. و حتى الإيمان، صلة داخلية بين العبد و ربه، لا يوجد من يعرف حقيقة هذه الصلة و تبعاتها إلا الله. و لنا في بغي اسرائيل التي غفر الله لها لأنها سقت كلباً، عظة و عبرة. و هذا يقودني إلى إبداء حسن الظن و الابتعاد عن رمي آرائنا في الناس و إلصاقهم بها قسراً. و لا أفضل من حديث أحد الصالحين حول حسن الظن ختاماً، عندما قال: لو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمراً لقلت ربما سُكبت عليه. و لو وجدته واقف على جبل يقول: أنا ربكم الأعلى لقلت يقرأ الآية!
جواهر محمد آل ثاني