كما أن لكل فشل قصة ونهاية، لكل نجاح قصة وبداية. واعتدنا عند روايتنا قصص نجاحنا أو قصص نجاح غيرنا، الحديث عن أنفسنا أولاً كسبب للنجاح، فنقول: وُفقنا بسبب عملنا الدؤوب، أو قدراتنا، أو مواهبنا، أو تحملنا للصعاب التي واجهتنا، أو غيرها من الخطابات التي نكون فيها البطل الرئيس في قصصنا. لمالكوم جلادويل صاحب الكتب الشهيرة (Blink: the power of thinking without thinking وThe tipping point: how little things can make a big difference)، وجهة نظر مختلفة.
عبر كتابه «Outliers: the story of success»، يتحدث جلادويل عمّن يسميهم «The outliers» أو «الاستثنائيون»، وعن كيفية نجاحهم، والطريق الذي وصلوا به لمراكزهم العالية. لم يكن نجاحهم جهداً فردياً وحسب، كما شدد على كلماته. النجاح العائد على الكبار، أمثال: بيل جيتس، وبيل جوي، وستيف جوبز، وفرقة ذا بيتلز، كان نتاج عوامل كثيرة، مثل: الفرص، والبيئة، والمجتمع، والعائلة، والتعليم، والمال، والثقافة، والجغرافيا، والاقتصاد. هؤلاء بعض من ذكر قصصهم في كتابه، ولأوضح فكرته أكثر، سأروي قصة دورثي فون غير الوارد الإشارة إليها في كتابه.
دورثي فون كانت أول أميركية من أصول إفريقية، تشرف على فريق عمل في مركز لانجلي للأبحاث في ناسا. كيف وصلت لذلك المركز؟ القصة التقليدية للنجاح ستكون روايتها على هذا النحو: عملت فون بشكل دؤوب ليل نهار حتى رقيت من موظفة إلى مشرفة، في وقت هُمشت فيه النساء، وخاصة الأميركيات من أصول إفريقية. وهذه هي الحقيقة، نوعاً ما، فالسيدة فون علمت نفسها وغيرها من الموظفات في قسمها -قبل ترقيتها- لغة البرمجة «فورتران»، ولكن ما ساعدها أيضاً كان وجود الأجهزة الجديدة من «BMI» في محل عملها، وقدرتها على الوصول إليها والتدرب عليها. بمعنى: هل كانت عالمة الرياضيات فون لتصل وتترقى لو استعصى عليها الوصول إلى هذه الأجهزة، أو لو أنها عملت في مكان آخر، أو في مكان لا يتوافر فيه هذا النوع من الأجهزة الحديثة؟ بالطبع لا، حيث إن نجاحها مجموع عملها الجاد في المكان والزمان المناسبين، بالإضافة إلى خبرتها وعلمها وعملها الواسع في الرياضيات، سابقاً!
دارت أفكار مالكوم جلادويل في رأسي، وأنا أتذكر عمالقة مصر في بدايات القرن العشرين. من طه حسين والعقاد إلى أم كلثوم وإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ ورشدي أباظة وسعاد حسني وفاتن حمامة، وغيرها من الأسماء الكبيرة الكثيرة التي ما إن نتذكرها حتى نقول: مصر ولادة! أياً كان قائل هذه العبارة، فهو كان قد وصل إلى استنتاج جلادويل قبله، حيث إنه لم يرجع النجاح لأصحابه بل لمجتمع وبيئة مصر!
عناصر الواقع تصنع الإنسان، بقدر ما يصنع هو الواقع. واليوم نرى توافر جميع الإمكانيات والفرص للمجتمعات العربية، وخاصة الخليجية، من تعليم ممتاز وعال إلى الثقافة والمال، وحرص وفهم الناس لأهميتهم.. كل ما تبقى هو العمل الجاد الدؤوب من الانسان، كي يولد «الاستثنائي» من بيننا.
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
عبر كتابه «Outliers: the story of success»، يتحدث جلادويل عمّن يسميهم «The outliers» أو «الاستثنائيون»، وعن كيفية نجاحهم، والطريق الذي وصلوا به لمراكزهم العالية. لم يكن نجاحهم جهداً فردياً وحسب، كما شدد على كلماته. النجاح العائد على الكبار، أمثال: بيل جيتس، وبيل جوي، وستيف جوبز، وفرقة ذا بيتلز، كان نتاج عوامل كثيرة، مثل: الفرص، والبيئة، والمجتمع، والعائلة، والتعليم، والمال، والثقافة، والجغرافيا، والاقتصاد. هؤلاء بعض من ذكر قصصهم في كتابه، ولأوضح فكرته أكثر، سأروي قصة دورثي فون غير الوارد الإشارة إليها في كتابه.
دورثي فون كانت أول أميركية من أصول إفريقية، تشرف على فريق عمل في مركز لانجلي للأبحاث في ناسا. كيف وصلت لذلك المركز؟ القصة التقليدية للنجاح ستكون روايتها على هذا النحو: عملت فون بشكل دؤوب ليل نهار حتى رقيت من موظفة إلى مشرفة، في وقت هُمشت فيه النساء، وخاصة الأميركيات من أصول إفريقية. وهذه هي الحقيقة، نوعاً ما، فالسيدة فون علمت نفسها وغيرها من الموظفات في قسمها -قبل ترقيتها- لغة البرمجة «فورتران»، ولكن ما ساعدها أيضاً كان وجود الأجهزة الجديدة من «BMI» في محل عملها، وقدرتها على الوصول إليها والتدرب عليها. بمعنى: هل كانت عالمة الرياضيات فون لتصل وتترقى لو استعصى عليها الوصول إلى هذه الأجهزة، أو لو أنها عملت في مكان آخر، أو في مكان لا يتوافر فيه هذا النوع من الأجهزة الحديثة؟ بالطبع لا، حيث إن نجاحها مجموع عملها الجاد في المكان والزمان المناسبين، بالإضافة إلى خبرتها وعلمها وعملها الواسع في الرياضيات، سابقاً!
دارت أفكار مالكوم جلادويل في رأسي، وأنا أتذكر عمالقة مصر في بدايات القرن العشرين. من طه حسين والعقاد إلى أم كلثوم وإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ ورشدي أباظة وسعاد حسني وفاتن حمامة، وغيرها من الأسماء الكبيرة الكثيرة التي ما إن نتذكرها حتى نقول: مصر ولادة! أياً كان قائل هذه العبارة، فهو كان قد وصل إلى استنتاج جلادويل قبله، حيث إنه لم يرجع النجاح لأصحابه بل لمجتمع وبيئة مصر!
عناصر الواقع تصنع الإنسان، بقدر ما يصنع هو الواقع. واليوم نرى توافر جميع الإمكانيات والفرص للمجتمعات العربية، وخاصة الخليجية، من تعليم ممتاز وعال إلى الثقافة والمال، وحرص وفهم الناس لأهميتهم.. كل ما تبقى هو العمل الجاد الدؤوب من الانسان، كي يولد «الاستثنائي» من بيننا.
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر