الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

العمل بمرونة

  

كم طريقة صحيحة توجد للحياة؟ هل يجب أن تكون الحياة كلها عمل و إنتاجية كي تكون حياة صحيحة؟ أم حياة جُلها لعب و راحة كي تكون الحياة سليمة؟ أم يجب أن تكون الحياة الصحيحة متوازنة بين العمل و الاستجمام كي تكون حياة مقبولة؟ ثم ما شكل هذه الحياة المتوازنة بين العمل والراحة، و كيف يتم تحقيقها؟ هل هي حياة مقسومة بالنصف بين العمل و الراحة؟ أم حياة ٦٠٪ منها عمل و ٤٠٪ منها راحة أو العكس أم أنها نسب أخرى موزعة بين الأثنين؟

نحن لم نُخلق لنجلس و نضع رجلاً فوق الأخرى، و لنُصيّف طوال السنة. الانسان خُلق ليعمر الأرض و ما عليها و ليُطوع ما فيها و ما بين يديه.. و لكنه أيضاً لم يُخلق ليعمل طوال الوقت، كما قال الرسول في حديثه مع أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي، ساعة للذكر و ساعة للدنيا!

إذاً، يجب أن نحقق التوازن بين العمل و الحياة خارج العمل، و إذا أردنا فعل ذلك، يجب أولاً أن يتوازن العمل في حياتنا، فيأخذ حقه من وقتنا، فلا يطغى على يومنا، و لا ينقص منه. و بعد ما نوازن العمل في حياتنا، ستأخذ راحتنا و استجمامنا القدر الصحيح من وقتنا بشكل تلقائي. و هذا التوازن بين العمل و الحياة خارج العمل يعود بالفائدة علينا و على غيرنا.

هذا التوازن هو ما رمت إليه اليابان بعدما أعلنت بأنه سيكون الموظف مخيراً بين العمل لخمسة أيام أو أربعة أيام في الأسبوع. و قد اهتدوا لذلك بعد ارتفاع أعداد الموت بسبب الإجهاد من العمل و الانتحار بسبب ضغط العمل في الامبراطورية! و كانت ميكروسوفت اليابان قد جربت قبل ذلك إعطاء الموظفين عطلة مدفوعة الأجر في كل جمعة من شهر أغسطس في ٢٠١٩، مما رفع الإنتاجية بنسبة ٤٠٪! و قامت إمارة الشارقة مؤخراً أيضاً بجعل أيام عمل الأسبوع أربعة أيام بدل خمسة.

أما بالنسبة لنا في قطر، فقد تم إقرار العمل عن بعد خلال جائحة كورونا، و تم وضع نظام العمل الجزئي مؤخراً، و هو الذي يتيح للموظف العام العمل نصف ساعات العمل المقررة في الأسبوع مع حفاظه على راتبه الأساسي و بضع البدلات و العلاوات. و هذه كلها طرق عمل مرنة تهدف إلى الدفع بالإنتاجية و تحقيق التوازن بين العمل و الحياة الخاصة، و لكنها ليست الطرق الوحيدة لضمان استمرار العمل بمرونة و تحقيق التوازن بين العمل و الحياة الخاصة. فتستطيع مثلاً الجهات الحكومية أو الشركات الخاصة، جعل ساعات العمل في مؤسساتها ساعات مرنة أو اختيار يوم واحد في الأسبوع للعمل عن بعد أو إعطاء الموظف إمكانية الخروج باكراً من العمل في يوم واحد من الأسبوع مع تغطيته لهذه الساعات بقية الأسبوع.

توجد طرق كثيرة للعمل بمرونة حتى يعيش المرء حياته بمرونة، و في النهاية فائدة العمل بمرونة لن تعود على الفرد و حسب، بل على المؤسسة و الدولة التي ستنتج أكثر أيضاً، و لنا في التجارب عبرة، فمثلاً بعد تجربة العمل عن بعد خلال جائحة كورونا، تم استخدام هذه الطريقة مرة أخرى من قبل بعض المؤسسات خلال بطولة كأس العرب المقامة حالياً للتخفيف من الازدحام المروري و لإعطاء الحدث حقه.

يمكن للمرء أن يعمل بعقل و أن يرتاح باتزان، و لكن تنقصنا الليونة و المرونة اللازمة لذلك.

 

 

 

جواهر محمد آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...