بطٌ و بجعات
سأل الناقد جورج براندز، الكاتب و الشاعر الدانماركي الكبير هانز كريستان اندرسن ذات مرة عما إذا كان قد فكر في كتابة قصة حياته، فأجابه أندرسن بأنه سبق له أن كتب قصة حياته في "حكاية فرخ البط القبيح".
و تدور حكاية فرخ البط القبيح، حول فرخ بط وُلد في مزرعة، فرفضته و تقززت منه و تنمرت عليه بقية البط التي رأت بأنه بشع و كبير الحجم، فبدأ فرخ البط رحلته في التنقل بين الحيوانات باحثاً عمن يحبه و يقبله كما هو، فكان الرفض يقابله من كل جهة، حتى خرج من المزرعة، و لكن الحال لم يكن أفضل في العالم الخارجي، فاضطر إلى العيش وحيداً إلى أن كبر و سئم الحياة. و قرر بعدما رأى سرب بجعات جميلة تحط على بحيرة قريبة منه، أن ينضم إليهم، فعلى الأقل إن رفضوه أو هاجموه ستكون نهايته على يد مخلوقات بديعة. اقترب البط القبيح من البجعات فابتهجوا لرؤيته و رحبوا به على عكس توقعاته. و تحت تأثير الصدمة، نظر البط إلى انعكاسه على وجه البحيرة، فتفاجئ بأنه بجعة بيضاء جميلة. لقد كان بجعة بيضاء جميلة طوال هذا الوقت دون أن يعي ذلك. ففرد جناحيه و طار مع السرب.. طار مع عائلته الجديدة.
لم و لن تكن قصة فرخ البط القبيح قصة هانز كريستان اندرسن و حسب. هي قصة كل انسان ذبل و كُسر و تعذب بين جماعة لم تحبه و لم تشجعه. هي قصة كل انسان أخفى فنه أو علمه أو هواياته كيلا ترفضه عائلته أو أصدقائه أو بيئته. هي قصة كل انسان مختلف ظن أن اختلافه "علة" لا (تفرد) بين أهله و ناسه و من حوله. قرأنا هذه القصة كثيراً و توجعنا من حدوثها مراراً و تكراراً. ظن البعض بأنهم لم يكونوا أبداً فرخ البط القبيح، لتأتي نهاية حياتهم و يعوا بأنهم كانوا طوال الوقت ذاك البط القبيح الذي لم يكن قبيحاً أبداً و لكنه كان بجعة لم تجد العائلة التي تحبها و تشجعها في حياتها.
يحيا البط الوسيم و تحيا البجعات المليحة، فلا وجود لفروخ البط القبيحة. هناك أناس مختلفين عنا و أناس يشبهوننا. هناك أناس سيتقبلوننا كما نحن و أناس سيرفضوننا لأننا نحن! هنالك ناس سيحبوننا و يكونون عائلتنا المختارة التي تشجعنا وتتمنى فوزنا في هذه الدنيا و هناك أناس قد يقفون ضدنا و يكرهون وجودنا! يقع علينا حمل البحث عن عوائلنا و أحبائنا و جماعتنا التي سننمو في ظلهم و بصحبتهم.. فهم من سيساعدوننا على إخراج أجنحتنا و يسعدون بالطيران معنا!
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة الشرق