لطالما آمنت بأن في داخل كل انسان فنان صغير. قد يطلق الانسان العنان للفنان بداخله، فيُنميه و يلهمه و يعلمه و يربيه و ينعشه و يقويه، و قد ينساه و يهمله و يهمشه و يتركه أو حتى يعمل على تدميره بشكل متعمد!
تشاركني الكاتبة جوليا كاميرون رؤيتي هذه في كتابها طريق الفنان (THE ARTIST’S WAY) الذي تتناول فيه تجربتها في تعليم "إطلاق الإبداع" لمجموعة كبيرة من الطلاب على مدى السنين. و في دورتها الإبداعية التي جمعتها في كتابها، كانت جوليا تُعلم طلابها كيفية إخراج ما فيهم من إبداع إلى الملأ. فالإبداع موجود في داخل كل انسان، و عليه فقط أن يخرجه إلى العالم. الانسان الراغب في نشر رواية، هو كاتب في الأصل، و لكنه لم يبدأ في كتابة روايته حتى الآن! الانسان الذي يحلم بإخراج فيلم قصير، هو مخرج في الأساس، و لكنه قد يكون لم يتعلم حتى الآن أساسيات الإخراج، أو أنه يخاف أن يصنع فيلم و يفشل!
تذكر جوليا في كتابها بعض الطرق التي يستطيع كل انسان استخدامها في إخراج الفنان من داخله. و من هذه الطرق، صفحات الصباح. و هي ثلاث صفحات-على الأقل-يجب على كل انسان كتابتها في بداية يومه. و فيها يكتب المرء كل ما يخطر على باله حتى يفرغ كل ما في عقله، و يتركه جاهزاً لتوالد الأفكار الفنانة و الطاقة الإبداعية.
و من هذه الطرق أيضاً، "مواعيد الفنان". و تقصد جوليا بها، الساعة أو الساعات التي يجب على كل فنان أن يخبئها لنفسه في كل أسبوع. فيذهب مع نفسه إلى السينما، أو يخرج لشرب القهوة أو للمشي في الحديقة أو لسماع الأغاني في السيارة. و يجب أن يكون هذا الموعد محدد في كل أسبوع. و فيه يقضي الفنان بعض الوقت مع نفسه فتتجدد روحه و ينتعش فنه.
و تُضيف جوليا بأنه على كل فنان أن يجد جماعته و يجلس معهم لمشاركة الأفكار و للإفادة و الاستفادة. فيمكن للرسامين مشاركة بعضهم البعض المعلومات حول أنواع الألوان التي يمكن شرائها، و يكون للبستانيين التباحث حول أفضل طرق الري و أماكن المشاتل في كل مدينة.
قصة كل فنان تبدأ مع نفسه، مع كفاحه و إصراره و تحدي نفسه حتى يقوم بالعمل الذي يجعله ينتقل من الحياة مع الفنان المحصور بداخله إلى الفنان القائم بخارجه. و لا أحد يريد أن يحيا حياة ليست له. و لهذا انتقل باسم يوسف من الجراحة إلى الكوميديا، و لهذا هام الطبيب مصطفى محمود بالفلسفة و تثقيف الناس حول الدين و الحياة. جميعهم وجدوا الإبداع بداخلهم و شاركوا به العالم. و هذه وظيفة الفنان الأولى و الأخيرة.
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق