من الأمور التي نادراً ما نتحدث عنها في مجتمعاتنا العربية هي الصحة النفسية. و إن تناولناها فإننا نمسك قشورها فقط و نترك ما عداه.. فالكثير منا تتعدى تابوهات الحديث لدينا الجنس و الدين و السياسة إلى الصحة النفسية! هذا الفيل الكبير في الغرفة الذي نعرف وجوده بيننا دون أن نتطرق إليه ولا إلى صدماتنا النفسية (TRAUMA)!
في كتابهم (WHAT HAPPENED TO YOU?) يعالج الدكتور بروس بيري و أوبرا وينفري، موضوع الصحة النفسية و الصدمات النفسية للإنسان و خاصة في الأطفال، الذين يكبرون و تظل بل و قد تكبر معهم صدماتهم النفسية. و هذه الصدمات قد تُشكل شخصية الانسان و تلعب دوراً كبيراً في حاضره و مستقبله بعد أن استولت على الماضي. و بسبب ذلك، يجب ألا تُترك الصدمات النفسية-خاصة بعد أن يعي الانسان وجودها-بلا علاج. و الصدمات النفسية تختلف من شخص لآخر، كلٌ وفق بيئته و عائلته و ظروفه و مواقفه و غيرها من العوامل الكثيرة.. فقد يتعرض انسان لصدمة نفسية من موقف واحد مؤذي، و قد يتعرض آخر من صدمة نفسية بعد تكرر موقف مؤذي في حياته و هكذا.. يختلف الحال من شخص لآخر. و بسبب ذلك، يُفضل الدكتور بروس بيري سؤال شخص منغلق على نفسه-مثلاً-: ماذا حصل لك في حياتك حتى أصبحت هكذا؟ (WHAT HAPPENED TO YOU?) على سؤال الشخص نفسه: ما خطبك؟ (WHAT IS WRONG WITH YOU?). و هو السؤال الذي اعتدنا سؤاله عندما نرى شخص مختلف عنا في المزاج أو الذائقة أو الأسلوب أو التفكير أو غيره.
يحكي الواقع حصول صدمة نفسية أو أكثر للأغلبية إن لم يكن الجميع سواء أكانت الصدمة موت شخص عزيز أو هجران أب أو مرض صديق أو تحمل مسؤولية كبيرة في سن صغيرة أو غيرها من المواقف المؤذية أو الكبيرة على الانسان، في وقت لم يستطع تحملها أو استيعابها مما سبب له صدمة أبقت آثارها في نفسه و حياته. هذه الصدمات النفسية سيبين أثرها في العمل كأن لا يكون في مقدور الانسان العمل بعيداً عن عائلته لأنه يشعر بأنه المسؤول عنهم، أو قد يكون آثرها في العلاقات، حيث لا يستطيع المرء-بوعي أو لا وعي منه-أن يستمر في علاقة صحية لأنه شهد على علاقة والديه الفاشلة و طلاقهم.
يتناول بروس بيري و أوبرا وينفري في كتابهما، علاج الصدمة النفسية عبر عدة طرق: أولها، العلاج بالأدوية الموصوفة من قبل دكتور نفسي (و هذا هو الطريق المألوف للأسف). ثانياً، العلاج عن طريق العلاج السلوكي المعرفي. ثالثاً، عبر الاتصال بالناس و العيش ضمن جماعات محبة و مساندة. رابعاً، العلاج عن طريق إيجاد التناغم و تنظيم النفس عبر أفعال أو أعمال تنظم سلوك الانسان و حياته مثل الكتابة أو الرسم أو المشي أو أي فعل آخر يجعله غير خاضع لآثار صدمته النفسية.
تحسن الوضع اليوم عما مضى. أصبح الحديث عن الصحة النفسية أسهل من الحديث عنه قبل عشرين سنة، و لكننا ما زلنا في البداية، و أمامنا الكثير مما يلزم إنجازه و فعله و التحدث عنه حتى نعيش حياة أفضل و أسعد في ظل صحة نفسية متوازنة و سليمة. فلنبدأ الآن.
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق