أصبحنا على زمن إلكتروني. كل ما نريده على مسافة ضغطة زر منا.
إن كنا نريد مصادقة أحد، فسنبعث له طلب صداقة على الفيسبوك. و إن كنا نريد أن نعبر عن آرائنا أو أن نشكو خدمة شركة ما، فسنغرد في تويتر. و إن كنا نريد شراء شيء، فسنطلبه من أمازون. و إن كنا نريد معرفة هوية رئيس موزمبيق، فسنسأل جوجل. و إن كنا نريد السفر، فسنبحث عن وجهتنا في صور انستجرام، من ثم سنسافر، و نحمّل صورنا في حساباتنا، و إلا.. هل سنكون قد سافرنا فعلاً؟!
يبدو جميع ما قلته بديهي و سهل، فنحن في وقت نستغرب فيه من كون شخص ما غير نشط في مواقع التواصل الاجتماعي، بل و نتعجب إن لم يمتلك حساب على هذه المواقع! غافلين لفكرة وضعنا لجميع معلوماتنا على الانترنت-و إن لم يكن في موقع واحد-مثل أسامينا و هوياتنا و أرقامنا و صورنا و بطاقاتنا الائتمانية و مزاجنا و غيرها من المعلومات الكثيرة التي تطلبها معظم المواقع الإلكترونية و من ضمنها جوجل! جوجل مثلاً، يعرف ما نرغب في شرائه و ما نبحث عنه، و يعرف ممثلينا المفضلين و قراءاتنا اليومية و المعلومات التي نريد معرفتها، و كله ليس وليد الصدفة بل بسبب تراكم تاريخ بحثنا لديه مما جعل لوغاريتمات جوجل تعرف ما نريد البحث عنه، فتبرزه عند قيامنا بأي بحث، و تجعل ما عداه في الصفحات الأخيرة التي كلنا نعرف بأنه ليست لدينا الطاقة للوصول إليها! قوة هذه اللوغاريتمات هي ما تجعل شركات التقنية الكبيرة المتسيدة لمواقع التواصل الاجتماعي و الانترنت أكبر و أغنى، بل و ذات تأثير كبير على المجتمعات و حتى الدول، ففي عام ٢٠١٦، كان لإعلانات الفيسبوك دور كبير في فوز دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد تصيد اللوغاريتمات للناخبين و تغذيتهم بالإعلانات التي كانت أغلبها كاذبة و مخادعة كما تم تصوير هذه العملية في الوثائقي (THE SOCIAL DELIMMA).
مازلنا اليوم تحت رحمة أهواء الشركات الكبرى مثل ميتا و ألفابيت و أمازون و تويتر و أبل و محاولتهم لتسييرنا و استمالتنا وفق رغباتهم. ففي ٢٠٢١، قامت فيسبوك بإزالة المنشورات حول فلسطين إبان الاعتداءات الإسرائيلية على غزة و الفلسطينيين. و الآن تقوم ميتا بالتركيز على المنشورات حول أوكرانيا بل و تعزز المنشورات التي تدعو إلى العنف ضد الجنود الروس!
نحن تحت رحمة من لا يرحم، و لا يكون له أن يرحم لأنه وُضع من قبل شركات عملاقة، هدفها الربح أولاً و أخيراً، لا سعادة الانسان و انتصاره في هذه الحياة. و قد لا يكون في استطاعتنا كبح هذه الشركات في المستقبل القريب، و لكننا نستطيع ألا نتبرع بكافة معلوماتنا لها. و نقدر على رفض الآراء الواحدة التي قد تحاول فرضها علينا، إن فقط، حاولنا أكثر!
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق