تذكر أوبرا وينفري في كتابها المشترك مع الدكتور بروس بيري (WHAT HAPPENED TO YOU?) موقفاً أثر فيها. و كانت مقابلة تليفزيونية مع طفلة فقدت أمها بسبب مرض السرطان. و قبل وفاة أمها، قرر والديها قضاء آخر أيام أمها في السفر عبر الولايات المتحدة الأمريكية. سألت أوبرا الطفلة عن أبرز لحظة قضتها في هذه الرحلة مع أمها. و توقعت أن يكون الجواب، مشاهدة معلم سياحي ما أو زيارة ولاية معينة أو غيرها من الأجوبة المتوقعة من الأطفال في سن يحبون فيه اكتشاف و ملامسة و مشاهدة الأشياء.. و لكن جوابها كان مغايراً تماماً. أخبرت الطفلة أوبرا بأن أفضل لحظات الرحلة بالنسبة إليها كانت ليلة ذهب فيها الجميع إلى النوم و قامت هي في الساعة الثانية صباحاً إلى المطبخ لتجد أمها غير قادرة على النوم، فسألت أمها إذا كان بمقدورها أكل رقائق الذرة مع الحليب (وهي الوجبة المسموح بها صباحاً فقط). فوافقت أمها على طلبها و جلستا معاً لتأكلان و تتحدثان و تضحكان طوال الوجبة.
أعطى الدكتور بيري و أوبرا اسماً لهذه اللحظة التي مرت بها الفتاة مع أمها، و سموها بلحظات رقائق الذرة (CEREAL MOMENTS). هذه اللحظات الحلوة التي يحظى بها الانسان في حياته عندما يخلق رابطة قوية مع شخص ما في وقت ما، فيتخلل وقتهما الحب و الثقة و الراحة و الاطمئنان. في هذه اللحظات يسمعك هذا الشخص و تسمعه.. يراك كانسان و تراه.. تشعر به و يشعر بك، و لا تشعر بأنك وحيد في هذه الدنيا. في هذه اللحظات تكون ممتن لوجود هذا الشخص في حياتك و سعيداً به. و هذه اللحظات قد تتشاركها مع شخص أو أكثر بحسب الموقف و الحدث.
لحظات رقائق الذرة التي نذكرها بالتفصيل في حياتنا، هي ما تبقى بعدما ننسى كل شيء.. ننسى ماذا أكلنا و شربنا عندما سافرنا في الصيف، و لكننا نذكر عندما فجأنا صديق لنا بزيارتنا في الفندق. نذكر هذه اللحظات عندما ننسى تعب الدراسة و ارهاقها، و لكننا نذكر نصيحة ابن العم الذي حثنا على اكمال الدراسة عند استلامنا لشهادة الماجستير. هذه اللحظات هي ما تبقى في الذاكرة، و ما غيرها يزول.
في دراسة علمية حديثة تم إعدادها في مستشفى فانكوفر العام، وجد الباحثين بأن الانسان يسترجع شريط ذكرياته قبل موته بعد فحصهم للنشاط الكهربائي لمخ رجل قبل توقف قلبه. أي أن ما شاهدناه في الأفلام و ما روته لنا الكتب لم يكن كله من وحي الخيال. الانسان فعلاً يسترجع ذكرياته قبيل وفاته بثواني أو حتى دقائق، و أجزم بأن معظمنا إن لم يكن جميعنا نريد لهذه الثواني و الدقائق أن تكون ذات معنى و أثر.. و أن تكون جُلها بطعم رقائق الذرة مع الحليب!
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق