الفكرة التي يقضي الكثير من الناس حياتهم دون معرفتها هي أن السعادة ليست المصب و لا النهاية، هي المنبع و البداية، و أن السعادة ليست وجهة و لا رحلة، هي جزء من الوجهة و جزء من الرحلة.
السعادة شعور من جزأين، الجزء الأول يبدأ من داخل الانسان، من قناعته و من اكتفائه و رضاه بنفسه و بما هو فيه. هذا الجزء من السعادة هو الأول و الأهم و الأبقى. هو إحساس الشخص برضاه عن نفسه في عالمه و بين ناسه و بيئته دون سخط على الدنيا و الناس و القدر، و دون أن يقارن نفسه بمن هم أفضل منه حالاً أو مالاً أو نسباً أو حسباً. يصل المرء إلى هذا الإحساس عبر استسلامه للواقع و تسليمه لتدبيرات الرب.. فكل انسان وُلد في بيئة و لعائلة لم يخترها، و عليه أن يُسَلِم بذلك، فإن لم تعجبه هذه المسلمات، فليغيرها بلا سخط أو غضب أو عجلة على قدر كُتب قبل أن يُولد من بطن أمه. ففي التسليم بالواقع.. سعادة، و أيضاً في تغيير الواقع بحب.. سعادة، لأن السعادة مكانها القلب، محفوفة بالإيمان.. بل و يمكن اختصارها بالركن السادس من الإيمان في الدين الإسلامي.. الإيمان بالقدر خيره و شره.
الجزء الثاني من السعادة، يتمثل في العالم الخارجي.. في انغماس الانسان في عمله الذي يحبه أو أي فعل آخر يحب القيام به، كالرسم أو الكتابة أو الطبخ أو النحت أو ممارسة الرياضةأو قضاء الوقت مع العائلة أو المشاركة في الألعاب أو غيرها من الأفعال التي يستمتع الانسان بالقيام بها. الانغماس بفعل يحبه الانسان، يقيم في داخله شعور بالمتعة و اللذة المتدفقة في عروقه. هذا الإحساس المتدفق، كتب عنه الدكتور ميهالي شكزينتميهالي في كتابه (FLOW) الذي يتناول فيه كيفية عيش كل تجربة إلى حدودها القصوى، و عبر ذلك يحس الانسان بتدفق حلاوة الدنيا في داخله. و تجميع الانسان لأكبر عدد من هذه اللحظات متدفقة المشاعر، يجعل الانسان راضٍ و سعيد بشكل عام في حياته.. لأن هذه هي السعادة.. مجموع لحظات في حياة الانسان لا لحظة نهائية في آخر حياته أو وقت تقاعده.
وبين المسافة من لحظات تدفق السعادة و حتى اللحظات التي تتبعها، يحيا الانسان بوقود السعادة التي بداخله و برضاه عن نفسه و عن حاله حتى يشعر بلحظات السعادة الخارجية. و يستمر تنقله في حياته مرتاحاً بين هذه و تلك، ففي كلٍ منهما، جزء من جوهر السعادة.
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق