يقول الله تعالى في سورة الذاريات: (وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون)(٥٦). الآية واضحة و صريحة.. خُلق الانسان ليعبد الله سبحانه و تعالى. و يبين القرآن و السنة النبوية طريقة العبادة، و ما هي مراتب الدين الإسلامي و أساس هذه العبادة.. ففي المرتبة الأولى أركان الإسلام، و هي شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله، و الصلاة و الزكاة و صوم رمضان و حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. و المرتبة الثانية هي أركان الإيمان، و هي الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و بالقدر خيره و شره. أما المرتبة الثالثة فهي الإحسان، و الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك.
و نجد أن الصلاة هي أعظم عبادة بل و أن فيها مكامن و خُلاصة العبادة الكاملة، التي يكون للعبد، عندما يكرس قلبه و عقله للخشوع فيها، أن يصل إلى أعلى مراتب العبادة و السمو الروحي و الجسدي.. فالصلاة لا يسبقها في أركان الإسلام سوى الشهادة، و هذا لازم أن يستقر في القلب أولاً، فقد قال الله تعالى في سورة النساء: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ )(١١٦).
نبدأ الصلاة بالبسملة و الوضوء، فكأننا ننظف أنفسنا من ذنوبنا و سيئاتنا قبل ملاقاتنا الله. و من ثم نكبر في الصلاة.. فلا يوجد ما هو أكبر من الله، و لا يجب أن ننسى ذلك، و لذلك نكبر عدة مرات في كل صلاة. و من ثم نقرأ سورة الفاتحة الجامعة المانعة.. ففيها الحمد لله على جميع النعم التي يغدقها علينا، و فيها تذكير بلقائنا به و حسابنا يوم القيامة، و فيها نتذلل إلى الله، فهو من نعبد و هو من نستعين عندما تضيق الدنيا في وجوهنا.. و بعد ذلك نقرأ سورة أخرى من اختيارنا من سور القرآن.. و في كل مرة تكون لدينا فرصة التفكر و التدبر في الآيات التي سنقرأها، فإما نستفيد منها أو نقرأها بشكل آلي و في سرحان.
و في الصلاة نسبح لله العلي العظيم، و في كل تسبيحة، تأمل في خلق الله و مخلوقاته، و كل شيء يسير كما هو مخطط له بانتظام و اطراد.. فالأرض تدور حول الشمس بأمر منه.. و الشمس لا تقترب من الأرض بأمر منه.. و الانسان لم يدخل في حرب نووية، بعد، بأمر منه.
و في الصلاة أيضاً، نشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله.. و ندعوا لأنفسنا و لوالدينا بالمغفرة، و من ثم ننهي الصلاة عبر إلقاء سلام الله و رحمته و بركاته على الملائكة و على أنفسنا و على أرواحنا و على كل شيء.. هكذا نختم أعظم عبادة بالطريقة التي يُفترض فيها للإنسان أن يعيش حياته.. بالسلام و عبر السلام. و لهذا أقول لمن يتساءل.. كيف عسانا أن نعبد الله؟ انظروا في صلاتكم.. حسّنوها.. و من ثم طبقوا كل جزء منها في حياتكم.. نظفوا أنفسكم من الداخل و الخارج، و كبروا و احمدوا الله و سبحوه و ادعوه و استغفروه، و أكثروا من الشهادتين و تدبروا في القرآن و من ثم افعلوا الخيرات في كل مكان و زمان!
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق