الثلاثاء، 18 أبريل 2023

انظروا إلى أنفسكم

 

 

 

في كتابه (Peace Is Every Step) يسرد الفيتنامي (تك نات هان)، قصة عن نهرٍ، بدأ حياته راقصاً و مغنياً بين الجبال. و عندما نزل إلى الأودية، أبطأ النهر و بدأ في التفكير في الذهاب إلى المحيط. و في يومٍ ما، لاحظ النهر الغيوم المبعثرة في السماء.. غيوم بكل الأشكال.. زهور.. فيلة.. أحصنة.. بيوت.. و من بعدها لم يفعل النهر أي شيء سوى ملاحقة الغيوم. أراد النهر أن يتملّك الغيوم، و لكن الغيوم كانت تطفو و تسافر عبر السماء و دائماً ما كانت تتغير أشكالها. و بسبب طبيعة الغيوم المتحولة، عانى النهر كثيراً.. أصبح نهر بائس وهو يطارد الغيوم. و في يوم من الأيام، هبت ريح قوية أفرغت السماء من الغيوم. فكر النهر بأن الحياة لا تستحق العيش بعد الآن، فلا توجد غيوم ليلاحقها، و لكن في تلك الليلة، و في خضم حزن النهر، رأى النهر نفسه للمرة الأولى. كان النهر يركض طويلاً خلف شيئاً ما خارجه إلى درجة أنه لم يرى نفسه من الداخل أبداً. و عندما نظر النهر في داخله.. سمع صوته و رأى نفسه. و اكتشف بأن الغيوم مُكونة من الماء و تعود إلى الماء! و هو نفسه ماء! و في اليوم التالي، عندما أشرقت الشمس، اكتشف النهر شيئاً جميلاً.. السماء الزرقاء، و التي لم يلاحظها من قبل بسبب تركيزه على الغيوم! و عندما تكونت الغيوم في تلك الظهيرة، رحب النهر بها بكل حب، دون أن تعتريه الرغبة في تملكها. و في المساء، عندما استقبل النهر السماء بكل لطافة، لاحظ النهر انعكاس صورة القمر عليه!

في نهاية القصة، وضع النهر القمر في قلبه، و أمسك بيد الشمس و الغيوم، و مشى ببطء نحو المحيط.

كل شيء نبحث عنه في الخارج.. هو في داخلنا، و إن لم نكن نعرف ذلك بعد. الكاتب هو كاتب، و إن لم يحصل على الشهرة التي يطمح إليها.. رجل الأعمال يبقى رجل أعمال و إن لم يتحصل على الثروة التي يطمح إليها بعد.. الممثل هو ممثل و إن لم يحصل على الدور الذي تقدم له.. الفنان التشكيلي هو فنان تشكيلي و إن لم يحصل على الاستوديو الكبير الذي يحلم به.. الطبيب هو طبيب و إن لم يمارس الطب في المستشفى أو المدينة التي يتطلع إلى سُكناها.

الأمور المهمة في دواخلنا ليست في الخارج. و لكي نعرف ما هو المهم.. يجب أن ننظر في الداخل أولاً لا إلى الخارج. يجب أن تكون نظرتنا من الداخل أولاً لا إلى الخارج. فالإنسان سيصل إلى مبتغاه في النهاية، و لكنها ستكون عبر طريقتين.. الأولى أن يصل و هو بائس و متحامل على الناس و الدنيا، و الثانية أن يصل و هو مرتاح و سعيد و راضٍ على نفسه و غيره. فأي الطرق تُفضلون؟

النهر لم يطمئن إلا بعد أن نظر إلى نفسه.. بعد أن فهم بأن كل شيء يبحث عنه في الخارج.. هو في داخله.. عندها سهُلت حياته.. صاحب الغيوم و السماء و القمر، و ارتاح في اكتشافه لنفسه! عندها عرف ماذا يريد تماماً و عرف كيفية الوصول إليه. و هذا ما يستطيع أياً منا فعله.

لا تبحثوا عن أنفسكم في الخارج و في العالم من حولكم.. كل ما تبحثوا عنه، موجود لديكم.. في داخلكم.. في أرواحكم.. في خلوتكم.. في عقولكم! و ما إن تفهموا ذلك، و تصلوا إليه.. حتى ستتجه حياتكم إلى ما تريدونه حقاً بكل سهولة و سلاسة كحركة الغيمة في السماء!

 

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...