الجمعة، 11 يناير 2013

فن الاختلاف

يقولون: «لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع». فالاختلاف إذن هو ما يجعلنا نمضي قدماً في الدنيا، نتحمل بعضنا البعض ونتنافس فيما بيننا، ولكنه في نفس الوقت لعنة الأمم المتخلفة، التي لا تحتضن الاختلاف وترعاه بل على العكس، تحوله إلى خلاف بإرادتها، فينقلب الأمر إلى تعصب وجهل وعنصرية لا تنتهي -في معظم الأحيان- إلا على شر! وكنه السلع يختلف باختلاف الأسواق، وأنا يهمني هنا الأسواق الفكرية، التي تبحث عن مبتاعي الفكر في فروعها، مثل فروع الدين والاقتصاد والسياسة، أي الفروع التي أيضاً تتفرع كل منها عن مذاهب أخرى قد يقصد أحدها المشتري دون أن يلتفت إلى ما بجانبها، وأقول المشتري لأنه يشتري ما يؤمن به، سواء أكان في السياسة أو الاقتصاد أو الدين، وقد ينظر إلى السلع الأخرى ويبحث فيها، وقد لا يشتري أياً منها وهنا المقصد، أن المشترين لديهم حرية اختيار ما يناسبهم فكرياً، إن هم حقاً سعوا وراء ذلك! كما أن المبتاعين لبضاعة ما قد لا يشابهون بعضهم البعض، وقد يختلفون في حبهم لمشترياتهم الفكرية، لكن ذلك لن ينقص من إيمانهم إلا إذا كان إيمانهم من البداية مهزوزاً -وحتى هذا لا يعيبه شيء، فكل إنسان قابل للتغيير وتطوير نفسه وتغير انتماءاته واهتماماته ومذاهبه كيفما يريد، وما دام يسمح بهذا لنفسه فلِمَ يستنكر ذلك على غيره؟ لِمَ يحب أن يفرض سيطرته الفكرية على الآخر ما دام يرفض نفس السطوة عليه؟ هذا هو إنسان العالم المتخلف الذي يرفض الاختلاف والمختلف، ويقبل على الخلاف الذي لا يغذي سوى الحقد والكره، ويبعد الود عن القضية التي ما إن يبدأ اثنان في مناقشتها حتى يتحول الأمر إلى سب وشتم وتخوين وتكفير لا ينتهي إلا بملل أحد الطرفين وخروجه من دائرة اللعان!
«ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة» صدق الله العظيم. هذه مشيئة الله أن نختلف نحن معشر البشر في مذاهب الدين والاقتصاد والسياسة والفكر، وغيره، فيستحيل أن نوجد ضرباً جديداً من ضروب الأدب مثلاً، يتفق على حبه كل الناس، حتى ولو كان هذا النوع واحداً أحداً، وأعظم مثال على ذلك اختلاف الناس حول الله مذ عصر نوح! الاختلاف في حد ذاته لا يقتل الإنسان، ولكن الإنسان هو من يقتل نفسه، عندما يستعمل الخلاف بدل الاختلاف وفنه، وعندما يرفض الآخرين بدل قبولهم وتقبل آرائهم دون شرط الالتزام بها أو اتباعها، وبهذه الأدوات وبفن الاختلاف نحل نصف مشاكل أفراد الأمة العربية!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

هناك تعليق واحد:

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...