الخميس، 13 فبراير 2014

مولانا!

مولانا! أكتبها بحب لكم كما حببها إلى نفسي أديب مصر الكبير عباس محمود العقاد في كتابات أنيس منصور عنه، وأكتبها خصيصاً هذا الخميس بمناسبة قراءتي لرواية إبراهيم عيسى «مولانا»، والتي ترشحت لنيل جائزة البوكر العربية. تحكي الرواية باختصار قصة رجل يتخرج في الأزهر ليصبح شيخ دين، ومن ثم نجماً تلفزيونياً وما يحدث له من وقائع في طريقه.
أهمية هذه الرواية وغيرها من المسلسلات والأفلام العربية التي تصور شيوخ الدين، أنها تلمس واقعاً مهماً في حياة كل عربي، حيث إن العربي بحكم بيئته الاجتماعية والسياسية وإرثه التاريخي والثقافي، يهتم بالدين كثيراً، وإن لم يكن بالضرورة متديناً، أي ممارساً للشعائر الدينية القاعدية على الأقل.
ورغم أن هذه المؤلفات الفنية قد لا تصور كل شيوخ الدين على حقيقتهم، بل وقد تبالغ في ذلك إلا أنها نجحت في قولبة بعضهم، أخذاً من الواقع كالإرهابي الذي يطلقون عليه لقب شيخ، والشيخ الشره للمال أو السلطة أو النساء أو حتى الطعام. لا ضير من الاعتراف بأن الشيوخ حالهم كحال باقي الناس، لا هم ملائكة منزلين من السماء ولا رسلاً يُوحى إليهم، وليسوا -بالضرورة- شياطين تلعنهم السماء، ولكنهم من تراب مثل أي إنسان، يخطئون ويصيبون، ولا عيب في ذلك، العيب في أن يخطئ الشخص ويتبعه الآلاف فلا يتراجع، والعيب في أن يأمر الشخص غيره ولا يفعل هو نفسه ما أمر به، مثل بعض شيوخ الدين الذين يأمرون أبناء الخليج بالذهاب والجهاد في سوريا بعد اختلاط الحابل بالنابل، وهم وعائلاتهم آمنون في بيوتهم.
شيوخ الدين أنواع، منهم الجيد ومنهم السيئ، منهم الصادق ومنهم المنافق، منهم من يهمه المال والسلطة فقط، ومنهم من يهمه رضا الله وصلاح العباد، المهم أن يمتنع كل شخص عن تسليم عقله وروحه لشخص آخر -حتى وإن كان شيخ دين- قبل أن يمحص أقواله ويدقق في أحكامه وأدلته، حتى لا ينجرف وراء كل فتوى يطلقها شيخ دين لمجرد أنه شيخ دين في حين أنه قد يكون مجرد رجل أسبغ على نفسه هذه الصفة بإطلاق لحيته وتقصير ثوبه وحفظ بعض آيات وكم حديث!
حسناً فعلت بعض الدول في تعيين مفتٍ للدولة أو هيئة تُعنى بإصدار الفتاوى للأفراد، ورغم ذلك، يصعب في عصرنا الحالي مع انتشار أجهزة الاتصال السريعة ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت والتلفزيون وغيره من الأجهزة المماثلة، كبح جماح بعض الشيوخ الذين أخذوا بإهداء الفتاوى في إطار غير رسمي قد يتعارض مع فتاوى رسمية.
يجب ألا نستخف بتأثير الشيوخ على الأفراد، فبعضهم -لا الكل- قد يجعل من أتباعه أناساً منغلقين على أنفسهم اجتماعياً ونفسياً ظناً منهم بأن ما يفعلونه هو الدين الصحيح، وبعضهم قد يجرون أتباعهم إلى الجهاد دون أمر من ولي الأمر أو حتى الإرهاب في بعض الحالات، وهذا ما يرفضه الدين الإسلامي السمح المعتدل رفضاً قاطعاً لا خلاف عليه. ولهذا يجب الرجوع إلى كتب الدين التي تُدرس في المدارس العربية وتغيير خطابها من خطاب التلقين إلى الخطاب الذي يطرح المناقشة ويُعمل العقل ويسرد الأدلة، ولا يكون ذلك إلا في المواضع التي تسمح بذلك كالقياس وشرح الأحاديث البسيطة مثلاً، أما الحلال والحرام فهما بينان وواضحان.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة #العرب القطرية
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...