الخميس، 20 فبراير 2014

لا تقرأ الرواية فكاتبها شيعي!

فتحت صفحة رواية إبراهيم عيسى «مولانا» في الموقع الإلكتروني «Goodreads» والتي كانت قراءتي للأسبوع الماضي، لأضع الرواية ضمن كتبي المقروءة. فاجأتني وأنا أخطو هذه الخطوة قراءة بعض الانتقادات التي كانت على شكل تعليقات وبعض التعليقات الأشبه بالانتقادات، ورغم ذلك لم يكن ذلك ما فاجأني وأزعجني منها، حيث إنها لم تصدر من نقاد متخصصين من ذوي الخبرة، بل من أناس عاديين همهم المعرفة أو المتعة أو حتى الفضول، ولكن ما أزعجني هو قيام أحد الأشخاص بوضع تقييم منخفض للرواية، ثم الكتابة كتعليق تحت نجمته الواحدة: «الكتاب باين من عنوانه، إذ لا يمكن لكتاب عنوانه «مولانا» أن يكون إلا كتاباً يُسخر فيه من الدين والتدين والمشايخ وكل ما اتصل بهم….» ويستمر كاتب هذه الأسطر بالتعليق على «توجهات» صاحب الرواية بحسب قوله وصلة ذلك بالرواية ومعانيها.
المزعج في التعليق السابق والتعليقات الأخرى التي اتصلت بهذه الرواية تحديداً، مثل: «لا تقرأها فكاتبها شيعي!» و»هذه رواية لا تصور الواقع!» وغيرها من الانتقادات الساذجة والغبية التي لا تمت للرواية بصلة! فمن ناحية هي جاهلة، ومن ناحية أخرى -إن كانت تتعلق بشيء- فهي تخص كل شيء إلا الرواية نفسها! فالمتحدث عن توجهات كاتب الرواية وآرائه، يبدو لي أنه ينفي حق الكاتب في أن تكون له توجهات ويسمح بذلك لنفسه -عند رفضه لتوجهات الكاتب!-، ناسياً المساواة في الحقوق كما الواجبات بين كل البشر، فلا عيب في أن يكون لشخص توجهات لكني متعجبة من قدرة هذا القارئ العظيمة -من بين جميع القراء- في استخلاصها واستنتاجها!
وهناك الدعاوى التي تتعلق بالكاتب نفسه، مثل أنه شيعي وكون ذلك سبباً لعدم قراءة الرواية! هنا يختلط الجهل بالعنصرية بكل ما تحمله من عفن التعصب والكراهية. هل هذا فعلاً سبب قد يقبله عقل راجح حر؟ الحكم على كتاب بسبب دين صاحبه أو لونه أو جنسيته أو حتى جنسه؟ هل هذه معايير ناصحة؟ وإلى كل من سيقبل على السؤال بنعم، أقول له ماذا تقول إذاً عن قراءة مذكرات جولدا مائير؟ وكان آخر تعليق سمعته هو أن قراءة الرواية غير مجدية لأنها «لا تصور الواقع»! الرواية كفنّ لا يجدر بها ولا يلزم صاحبها أن يصور الواقع من خلالها، بل أن يعطي القارئ أملاً وإحساساً بأن الدنيا أكبر في خياله، وأوسع من إدراكه، وأنه يستطيع أن يسافر العالم كله عبر القفز فوق أسطر مخطوطات في غرفته سواء أكان ذلك بسرد أحداث واقعية أو خيالية. وإذا كان هذا السبب هو معيار نجاح وقبول الروايات، فلم نجحت مبيعات روايات هاري بوتر، وقصص دراكولا وفرانكشتاين؟ لا أدافع عن «مولانا» ولا عن الكاتب إبراهيم عيسى، فالحقيقة أنا لا أعرف توجهاته ولا مذهبه، ولا تهمني هذه المعلومات عند قراءتي لأي رواية، ولكني أدافع هنا عن المعرفة وأحارب الجهل والحماقة، ومن يحكمون حرفياً على الكتاب من عنوانه، ويرفضون الاطلاع على غير ما يرتاحون له أو ما ترَبوا على معرفته، خوفاً من أن تهتز عوالمهم الزجاجية المبنية على سطح من رخام ناعم.
أقول لأصحاب العوالم الزجاجية: اسمحوا للعلماء والأدباء بأن يرموكم بالعلم والمعرفة، فالخوف ليس من اهتزاز عوالمكم، بل بقائها دون تحرك على قواعدها الهشة!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...