الاثنين، 14 يوليو 2014

إلى أصدقاء الرحلة

لك أن تتخيل الدنيا بلا كل شيء وأي شيء إلا صديقاً صدوقاً صادق الوعد منصفاً، كما صاغها الإمام الشافعي -رحمه الله- وكما سلم بعدها على الدنيا سلام يأس وتوديع في حال خلوها من هذا الصديق.
هذا الصديق قد يكون ذاك الصاحب الذي تجده دائماً يشاطرك وتشاطره أسرارك فيطمئن قلبه ويريحك، أو تلك النبتة التي ترعاها في الصباح لتصبح عليك كل يوم من عند نافذتك، أو تلك الهرة التي ساقها جوعها إلى بابك، فلم تتركك بعد ذلك، ولم تتركها.
أياً كان ذاك الصاحب، وكيفما كان، صديق الطفولة، صديق الدراسة، صديق العمر، هو من يبقى في الذاكرة، وتظل بصمته الحاضرة.
فصديق الطفولة هو ابن العم البعيد والقريب، وابن الجار وصديق الحارة بكل مغامراتها ومشاكلها وأحاديثها العابرة بكلماتها الكبيرة والصعبة.
وصديق الدراسة هو من جمعه المكان وقربته الاهتمامات، وهو في الغالب من كان صديق الطفولة، ومن سيكون صديق العمر.
أما صديق العمر، فهو ذاك الذي تغضب عليه ولكن لا تقسو، تنشغل عنه ولكن لا تنسى، هو ذاك الذي مهما بعدت عنه، ترجع لتحادثه وكأنك ملاقيه بالأمس.
وهناك الكثير غيرهم من أصدقاء عمل.. أصدقاء خير.. أصدقاء سفر.. أصدقاء خياليين.. أصدقاء افتراضيين، وأصدقاء عابرين لم يتقابلوا إلا مرة أو بضع مرات، على أن يتواصلوا أو يتقابلوا بعدها، فلم يفعلوا.
وهناك الأصدقاء الذين نعتقدهم كذلك حتى نعلم عن رحيلهم أو فقدانهم، وما أكثرهم في حقل السياسة، فهم أصدقاء حتى يصبحوا أعداء، وأعداء حتى يصبحوا أصدقاء، علاقاتهم تتغير كما تُغير الأفعى جلدها، وهم جميعاً أصدقاء مصالح، وأعداء مصالح.
وما يجعل الأصدقاء عنصراً من عناصر الحياة كالماء والهواء، هو القدرة على مشاركة الحياة بكل ما فيها من أمور وأشياء وآراء واهتمامات معهم، ففي ذلك استعمال لأبرز وأقدم مكتسبات الإنسان: القدرة على التعبير، والمشاركة إما تصبح سبباً للسعادة، حيث إن السعادة لا تكون إلا إذا تمت مشاركتها، أو تمسي سبباً لتخفيف الهموم والأحزان، وفي كلتا الحالتين لا تكون المشاركة ولا السعادة إلا بجانب صديق اعتبرته أخاً، وأخاً رأيته صديقاً.

جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...