من الثابت أن الحيوانات لا تصطاد إلا في حال الجوع، ولا تعتدي أو تدافع عن نفسها إلا عند شعورها بخطر حال ومؤكد قريب منها. هذه هي سنة الحيوانات والحشرات ، أما حال الإنسان فهو أبعد ما يكون عن ذلك، فمنذ بداية التاريخ وصولاً إلى العصر الحديث والحربان العالميتان الأولى والثانية، حارب الإنسانُ الإنسانَ لكل الأسباب الخاطئة ما عدا الصحيح منها، كقاعدة قلت وتفرقت استثناءاتها على مر السنين.
قاتل الإنسانُ الإنسانَ من أجل المال والقوة والسلطة والمرأة والانتقام والتطهير العرقي والديني والطائفي، وفي حالات قليلة قاتل لكي يدفع عدواناً وقع على بلده، أو ليدفع ظلماً حل بغيره.
تنوعت أشكال الحروب الظالمة، وتعددت العمليات الإرهابية حتى اختلط الحابل بالنابل، لم يعد الناس يعرفون من الظالم ومن المنقذ، من على حق، ومن على خطأ، ولكن كانت الأكثرية تدين هذه الحروب والإرهاب والعدوان الحاصل في كل بقاع الأرض، لكثرة ما أحدثت من دمار، ونشرت من فقر، وفككت من أسر، أما الآن فقد بانت فئة ليست بالأكثرية، ولكنها ليست بالأقلية أيضاً، ظهرت عندما قرر صدام حسين غزو الكويت، مدعية بأن «حامي العرب» يعرف مصلحة العرب أكثر من غيره. ماذا عن مصلحة أولئك ممن أسروا ودُمرت بيوتهم وقُتل أحبابهم؟
ظهرت تلك الفئة بوجوه مختلفة متشمتة وقت احتلال العراق في 2003، جذلة بسقوط صدام، غير واعية بأن شعباً كاملاً تتم معاقبته في نفس الوقت.
ظهرت هذه الفئة في سوريا، فساندت تارة ديكتاتوراً خوفاً على نفسهم كأقلية، وساندت تارة إرهابيين طائفيين بحجة الانتقام من الطائفة الأخرى.
كُشفت هذه الفئة عندما طالبت في بعض البلدان باعتقال وحبس جماعة كاملة، لأنها تحمل عقيدة وفكراً مختلفاً عنهم.
ونرى هذه الفئة بوضوح في فلسطين المحتلة بمستوطنيها الذين يدعون استعدادهم للسفر إلى أقاصي العالم لمساعدة أي إنسان، في نفس الوقت الذي يمطرون فيه صواريخهم على غزة.
الإنسان يختار معاركه كما يقولون، وكما يفعل ذلك، يدير ظهره إلى ما يزعجه أو لا يهتم به من آثار لاختياراته، ولا مانع من ذلك ما دام لا يضار منها سواه، أما الرضا أو حتى السكوت عن القتل والنهب واعتقال الحقوق والحريات بشكل مطلق أو في حالات دون غيرها، فهو ما لا ينبغي السكوت عنه. يجب على الإنسان أن يكون إنساناً في كل وقت، وفي كل ظرف، وفي كل مكان، فقناعة هذا الشعور وهذه الفطرة لا تتحول إلا عند المنافقين الغليظين فظي القلب أشباه الفئة التي أتحدث عنها، والتي تتعاطف مع من يشبهها وتتكالب على من يختلف معها أو عنها.
هذه الفئة تشبه الكلاب البوليسية في صفاتها، تنقض على من يختلف عنها، وتدنو ممن يشبهها ويدعوها إليه أصحاب الكلب، وسبب تشبيهي لهذه الفئة بحيوان كالكلب، رغم إشارتي في بداية مقالي إلى تمسك الحيوانات بفطرتها وما جُبلت عليه في كل حين ومكان، هو أن الكلاب البوليسية مختلفة عن بقية الحيوانات، فهي تُدرب وتُلقن وتُعلم على مخالفة فطرتها، بحسب أهواء صاحبها، الذي يختار معاركها وما يرضيه منها، وهذه الفئة لا تختلف عن الكلاب البوليسية كثيراً، الفارق الوحيد هو أن الفرد التابع لها يختار أن يكون إنساناً في بعض الأحيان.
جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق