(1)
بحر من الوجوه في كل مكان حتى في الخلاء، أرواحهم ضائعة، حاضرة، كارهة، جاحدة، محبة، مؤمنة، تائهة، متربصة، محبطة، عاقة، واصلة، مقتنعة، بخيلة، كريمة، خالدة، راضية، تمشي في السباق، وتركض في الأروقة.. لا شيء ينقذ هذه الأرواح الهائمة والوجوه المبحرة سوى فكرة، لحن، كلمة تجعل لكل شيء معنى، ولكل معنى شيئاً.. تحافظ هذه الأفكار والألحان والكلمات على الحياة التي نتمناها لأنفسنا في أنفسنا، أو تحبب لنا البقاء كما نحن كنا وسنكون، نسعى وراء الوظائف التي تُلقى في أحضاننا، نأكل من الصحون التي تُوضع أمامنا، ونشرب من الكؤوس المعلقة على رؤوسنا، لنقول إن هذا كله من اختيار الحياة.. بين هذه البحور والوجوه والأرواح، قف وتذكر قليلاً، من اختار.
(2)
تعرف أنك قررت أن خياراتك هذه أو تلك من اختيار الحياة، عندما تسمع نفسك في ثنايا كلامك تقول: «هذا ما قُدر لي!» أو «لقد أخذتني الحياة إلى طريق خاطئ!». نلوم الحياة ونضع ثقلنا على ثقلها دون أن نمس أنفسنا ولا من وما حولنا. نعم للحياة يد في خلق الفرص والنعم والنقم ولكنها يد واحدة، ولهذا لا تصفق -أي لا تفعل كل شيء-، فهي تحتاج إلى أيدينا لتكتمل حركة المسرح، والجزء الأكبر من هذه الحركة يقع على الممثلين لا الأثاث والأضواء.
(3)
كم هي عدد المدن الصغيرة التي لم ولن نسمع بها؟ كم من شخص يعيش وعاش فيها ولم ولن نسمع به؟ كم منهم يعمل في وظائف عادية في مطاعم ومغاسل ومحلات عادية لم ولن نسمع بها؟ كم شخص منهم اختار مدينته وظيفته ومدرسته وحياته؟
لو كنت مكان أحد منهم، هل كنت لتسأل نفسك من اختار؟
جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق