الخميس، 12 فبراير 2015

قليل من الإلهام

الكثير من الكتاب والفنانين جعلوا للإلهام آلهة، بل وأعطوها أسامي خاصة بها، يستدعونها ويتضرعون لها وقت الشدة واليأس، أما وقت الرخاء والأمل فتأتيهم دون بطاقة دعوة، إما بقوة موجة تطرحهم على ظهورهم، أو بخفة هواء يشابه صوته صوت المطر عند ملامسته الأرض. يأتي الإلهام في بث أغنية على الراديو، أو في وردة سقطت في الطريق خطأً، أو في لوحة زيتية لمستها ورأيتها حقيقة في إحدى رحلات البر والبحر، أو يأتيك الإلهام في شعور أحسسته تجاه شيء أو شخص أو حتى تجاه نفسك، وما أكثر من أبدعوا بسبب كرههم لشخص أو حبهم لشيء أو مقتهم أو إعجابهم بنفسهم.
أما أهم أنواع الإلهام فهو ذاك الذي يجلبه شخص آخر إلى قدميك. يحضره لك بسبب شعورك تجاهه، سواء أكان غيرة أو حسداً أو مقتاً أو عشقاً أو حقداً أيا كان ذاك الشعور، وإن كان بلا اسم لتقلبه من حين لآخر، وإن كان التقلب في اللحظة نفسها! هو أهم أنواع الإلهام، لأنه حقيقي ملموس محسوس يولد في داخل الغابات الإنسانية العصبية قبل أن يخرج لصحراء الواقع. هو أهم أنواع الإلهام لأنه لا يجعل الشخص كاتباً أو فناناً أو كاتباً أكثر أو فناناً أكثر فقط، بل قد يجعله يفعل أو يفعل أكثر، ويكون فعله مهماً وملهماً أيضاً لغيره، وعندها سيصبح العالم ذا معنى أكبر وعقولاً أعظم.
نرجع إلى السؤال الذي لم يكتب في أول سطر، ولكن كل كلمة كُتبت تجاوبه، لماذا تعظم قبائل الكتاب والفنانين بكاء طفل ضائع في الشارع؟ أو وجود بلكونة في غرفة الفندق؟ أو مقابلة حب المراهقة مرة أخرى في الكبر؟ لماذا يقدسون كوب قهوة بين الفطور والغداء، أو ليلة أرق كاد الجنون يصيبهم بسببها، أو ورقة وقلماً اشتروهما لسبب ثم نسوا السبب وأبقوا على الورقة والقلم؟
يفعلون ذلك حتى يصنعوا من أنفسهم وأعمالهم نصباً تذكارية تلهم الناس، ليلهم الناس بدورهم غيرهم، وبذلك تكون الأيام محتملة أكثر وأقل مللاً. بلا أناس متناسخي اللون والشكل والطعم والأفكار والتصرفات والأقوال. 
هذا ما يحتاجه العالم، قليل من الإلهام.

جواهر بنت محمد عبدالرحمن آل ثاني

صحيفة العرب القطرية

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...