أجزم بأن المتنبي عندما قال بيته الشهير المساوي لبقية أبياته الأخرى: «خير جليس في الزمان كتاب»، لم يخطر على باله زمن يتحول فيه خيرة الجلساء إلى هاتف نقال في يد المجنون والعاقل والصغير والبالغ والغني والفقير على حد سواء في كل مكان. نعم قد يحتوي الهاتف على كتب إلكترونية- وإن كانت في الأغلب مجانية ولا تُقرأ- ولكنها أيضاً تحوي برامج للتحدث الفوري كالواتس آب، وحسابات البريد الإلكترونية، والخرائط، والألعاب الرقمية، وبرامج التواصل والتشارك الاجتماعي، كتويتر والإنستجرام، والآلاف من البرامج الأخرى، منها المعروف ومنها المتداول لمدة قصيرة، ومنها المنسي، ومنها الذي يشق طريقه حتى الآن.
هذه البرامج هي ما يهرب إليها «الإنسان العصري» بمفهوم الكثير من الكتاب وبعض المثقفين في التجمعات الإنسانية المملة، بل وفي بعض الأحيان غير المملة، وهي التي يلجأ إليها الإنسان في الليل قبل نومه وبعد صحوته، وفي فترات متقطعة في اليوم بقدر ما يتيسر له ذلك.
إذاً الكتب في أحضان الناس تحولت إلى أجهزة إلكترونية تلعب بها الأيادي، البعض لا يستخدم إلا هذه الأدوات في عمله، والبعض الآخر يستأنس بها كما استأنس العرب قديماً بالشعر. هذا طبيعي بحسب سنة التطور البشري العلمي والثقافي والاجتماعي، والتقدم من أداة إلى أداة أخرى محمود مثل التحول من الآلات الطابعة التي كان ولا يزال بعض الكتاب يكتب أفكاره بها إلى كمبيوتر محمول صنع سنة 2014، ففي هذه الحالة يُفترض بأن المضمون واحد، فمن سيكتب رواية على آلة طابعة، سيكتب مثلها إن استخدم بدلاً عنها الكمبيوتر، والفرق أن كتابة الرواية على الكمبيوتر ذات مجهود أقل، بالإضافة إلى أن برامج الحاسب تساعد على اصطياد أخطاء الكتاب اللغوية والإملائية، فإذاً ليس كل تطور سيئ ومن أعمال الشيطان، والأسلم أن نقول إن لكل تطور شقين، شق إيجابي مثل الذي ذكرته وأوضحته بمثال، وشق خطير من ناحية ومختلف على إيجابيته وفي سلبيته من ناحية أخرى، كاستبدال الكتاب بالأجهزة الإلكترونية كالهواتف النقالة والأجهزة المكتبية والكمبيوترات المحمولة وغيرها مما يشابهها، هو خطير من ناحية، لأنه انتقال علمي ومعرفي من الجذور العميقة إلى الأوراق السطحية، فالبعض بدأ في الاعتقاد أو آمن فعلاً بأن قراءة معلومة من تويتر في حدود 140 حرفاً كقراءة معلومة من كتاب، قد يمتد فيها شرح المعلومة إلى صفحات وصفحات، ومُختلف على هذا الشق من ناحية أخرى لأنه مصدر رزق البعض، ومنبع علاقات البعض الآخر، ووسيلة معرفة لبعض البعض.
أياً كان رأيك الشخصي بعد استبعادك تعلقك بهاتفك النقال، تذكر بأن الهواتف النقالة مثل الآيفون قد تحتوي على جميع البرامج والألعاب، بل والكتب، إلا تجربة الحياة وغزارة الكتاب.
جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
هذه البرامج هي ما يهرب إليها «الإنسان العصري» بمفهوم الكثير من الكتاب وبعض المثقفين في التجمعات الإنسانية المملة، بل وفي بعض الأحيان غير المملة، وهي التي يلجأ إليها الإنسان في الليل قبل نومه وبعد صحوته، وفي فترات متقطعة في اليوم بقدر ما يتيسر له ذلك.
إذاً الكتب في أحضان الناس تحولت إلى أجهزة إلكترونية تلعب بها الأيادي، البعض لا يستخدم إلا هذه الأدوات في عمله، والبعض الآخر يستأنس بها كما استأنس العرب قديماً بالشعر. هذا طبيعي بحسب سنة التطور البشري العلمي والثقافي والاجتماعي، والتقدم من أداة إلى أداة أخرى محمود مثل التحول من الآلات الطابعة التي كان ولا يزال بعض الكتاب يكتب أفكاره بها إلى كمبيوتر محمول صنع سنة 2014، ففي هذه الحالة يُفترض بأن المضمون واحد، فمن سيكتب رواية على آلة طابعة، سيكتب مثلها إن استخدم بدلاً عنها الكمبيوتر، والفرق أن كتابة الرواية على الكمبيوتر ذات مجهود أقل، بالإضافة إلى أن برامج الحاسب تساعد على اصطياد أخطاء الكتاب اللغوية والإملائية، فإذاً ليس كل تطور سيئ ومن أعمال الشيطان، والأسلم أن نقول إن لكل تطور شقين، شق إيجابي مثل الذي ذكرته وأوضحته بمثال، وشق خطير من ناحية ومختلف على إيجابيته وفي سلبيته من ناحية أخرى، كاستبدال الكتاب بالأجهزة الإلكترونية كالهواتف النقالة والأجهزة المكتبية والكمبيوترات المحمولة وغيرها مما يشابهها، هو خطير من ناحية، لأنه انتقال علمي ومعرفي من الجذور العميقة إلى الأوراق السطحية، فالبعض بدأ في الاعتقاد أو آمن فعلاً بأن قراءة معلومة من تويتر في حدود 140 حرفاً كقراءة معلومة من كتاب، قد يمتد فيها شرح المعلومة إلى صفحات وصفحات، ومُختلف على هذا الشق من ناحية أخرى لأنه مصدر رزق البعض، ومنبع علاقات البعض الآخر، ووسيلة معرفة لبعض البعض.
أياً كان رأيك الشخصي بعد استبعادك تعلقك بهاتفك النقال، تذكر بأن الهواتف النقالة مثل الآيفون قد تحتوي على جميع البرامج والألعاب، بل والكتب، إلا تجربة الحياة وغزارة الكتاب.
جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق