الخميس، 4 يونيو 2015

عنترتهم و تو«ي»ترنا

لكل عصر لغته ولهجاته، ولكل وقت أدبه أو أدبياته، فيكون الأدب مما يستحق أن يُذكر، والأدبيات مما عدا ذلك، وإن كان من المضموم والمنصوب والمفتوح على كل المطارح الصحيحة!
وفي كل زمان ما يدرج فيه من الأدب أو الأدبيات. بعض أزمنة العرب كعصر ما قبل الإسلام أو «الجاهلية»، وما تبعها بعد ظهور الإسلام، كان من حسن حظ معاصريها أن الدارج في معظمه هو أدب الشعر العربي الرصين في المعنى واللغة والتركيب. كان الدارج وقتها شعر البطولة والحماسة والفخر والشجاعة، فأنشد عنترة بن شداد قوله: 
ولو أرســلت رمحـــي مع جبــــان ** لكــان بهيبتي يلقى الســباعا
ملأت الأرض خوفاً من حسامي ** وخصمي لم يجد فيها اتساعا
ليأتي بعده المتنبي، فيقول:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ** وأســمعت كلمـاتي مــن به صــمم
الخيل والليل والبيــداء تعرفنــــــــي ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا ** بأنني خير من تســعى به قــدم
يُقال بأن هذه الأبيات هي ما قتلت المتنبي، الذي كان قد هجا رجل يُسمى بضبة بن يزيد الأسدي العيني، وفي أحد أسفاره لقي خاله فاتك بن أبي جهل الأسدي، وفي معركة معه، كان المتنبي على وشك الهروب، فتلا عليه فاتك أبياته السابقة، ليرجع المتنبي ويلقى مصرعه.
الأدبيات الدارجة في عصرنا هذا مختلفة جداً، ومتوزعة بين 140 حرفاً على تويتر، ومجموعة نكت وأمثال ومقاطع أغانٍ في بقية برامج التواصل الاجتماعي وفي الشوارع. تمثل في معظمها النقيض من معاني وقوالب العرب القديمة. الأدبيات الجديدة مغطاة بالسخرية ومشبعة بالجبن والدهن الرخيص والكسل والخوف، والكثير من المعاني المستترة حتى خُنق الضمير المستتر.
أمثالنا من صورة «من خاف سلم»، و«أذن من طين وأذن من عجين» تحكي الواقع، وتدرج معه. ما نرفض أن نستوعبه هو أنها تتدرج معه أيضاً، فيمكن تحريكها وتغييرها بل وخلعها واستبدالها. فدروج الأمثال والقصص القصيرة وكل ما هو مختصر في 140 حرفاً أو أقل بدل المعلقات والعروض مقبول تحت بند التطور والتغيير، لكن انقلاب المحتوى هو ما يُقلق ويثني عن الثناء.
أدبياتنا درجت حتى تدحرجت، ومع ذلك سبقت أدبنا. ويبقى الأمل الصاحب المفضل للألم، وكما قال «زين» تويتر: سيفتحُ الله باباً كنت تحسبهُ.. من شدة اليأسِ لم يخلق بمفتاحِ.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...