أول نظرة لي على شبه القارة الهندية كانت من مومباي أو بومبي كما يعرفها به العرب، وهو الاسم الذي يحاول الهنود التخلص منه في محاولة للابتعاد عن الاستعمار البريطاني وتاريخه. مدينة ثرية بتاريخها، سخية بتأثيرها، يرى فيها السائح جميع التناقضات التي يستحيل أن يحلم بها، مناطق نظيفة وغنية لا تدخلها عربات «التكتك»، ومناطق فقيرة بها أناس بسطاء، فراشهم الرصيف وحضنهم السماء.
زرت مومباي في سبتمبر، الذي صادف فيه إقامة احتفالات الهندوس والمسلمين معاً. وكانت جميع الديانات في الهند من هندوس ومسلمين وسيخ وجين يحتفلون جنباً إلى جنب تحت السماء الماطرة والأجواء الرطبة. الأغاني والألوان والروائح المميزة للبهارات والفواكه في الهواء. والكل يدعو الآخر للرقص والمشاركة، وكان من ضمنهم محدثتكم. ومن هنا ومن أول يوم، بانت لي طباع الهنود في الترحيب والرغبة في المشاركة وحتى المساعدة، سواء أكان ذلك في الأماكن السياحية أو المطاعم أو الفنادق أو الشوارع.
من مومباي «الشابة» انتقلت بعدها بشهور إلى نيودلهي «الأم». بداية الرحلة كانت في الجزء القديم والتاريخي من دلهي، حيث جامع مسجد والقلعة الحمراء والأسواق القديمة. كل شيء يمكن لمحه في الشوارع المزدحمة من السيارات و»التكتك» إلى الدراجات والكلاب والماشية، بالإضافة إلى الناس العابرة هنا وهناك.
المدينة آمنة إلى درجة ما، ولكن ليس أكثر من مومباي، هذا ما يخطر على البال عند قراءة حوادث إطلاق النار في المزارات السياحية، والتي غالباً ما يكون ضحاياها سياح بطبيعة الحال.
الجزء الحديث من المدينة يزخر بالفنادق الفخمة والمطاعم والمباني الحكومية المنتشرة في خارطة نيوديلهي الكبيرة. ولا يمكن لأحدهم زيارة نيودلهي إلا ويزور تاج محل -أحد عجائب الدنيا السبع- في مدينة أقرا البعيدة عن نيودلهي 210 كيلومترات تقريباً. وكما يقول الهنود لا تكتمل رحلة نيودلهي- أقرا إلا بزيارة ولاية جيبور، أو المدينة الوردية، كما يعتزون بتسميتها.
لا يجد المرء في «أقرا» الكثير لفعله أو رؤيته بجانب تاج محل وقلعة «أقرا»، ولكن ذلك يكفي وأكثر. لرخام تاج محل الأبيض سحره وروح مدينة بأكملها.
انتهت رحلتي في نيودلهي. وزاد خبر إطلاق الهند ١٠٤ أقمار صناعية إلى الفضاء في يوم واحد، إعجابي بالهند أكثر. وكان البعض ممن أعرفهم لا يزالون يلحون علي بالسؤال: لماذا الهند؟
لا أعرف لماذا، ولكني أعرف بأن جميع الناس لديهم القدرة بأن يعبروا عن رغبتهم في الذهاب إلى لندن وباريس ونيويورك، لأنها المدن التي رأيناها وأُعجبنا بها في الأفلام والمسلسلات والقصص والروايات والأحاديث المتناقلة، ولكن ليس أي شخص لديه القدرة والجرأة، وخاصة في مجتمعاتنا، بأن يقول أريد أن أذهب إلى الهند، أو بوليفيا، أو جنوب إفريقيا، أو غيرها من المدن التي لم نسمع أو نرى منها إلا القليل. هل يرجع ذلك إلى خوفنا من المجهول؟ لا أعرف. هل السبب في تكويننا الاجتماعي والنفسي؟ لا أعرف. كل ما أعرفه بأن السفر يبني ويهذب الشخصية والشخص، ويكون ذلك على مستوى أكبر إن كان إلى الأماكن غير المتوقعة والمنسية أكثر من الوجهات البراقة والمصورة في المجلات الملونة بدقة عالية.
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
زرت مومباي في سبتمبر، الذي صادف فيه إقامة احتفالات الهندوس والمسلمين معاً. وكانت جميع الديانات في الهند من هندوس ومسلمين وسيخ وجين يحتفلون جنباً إلى جنب تحت السماء الماطرة والأجواء الرطبة. الأغاني والألوان والروائح المميزة للبهارات والفواكه في الهواء. والكل يدعو الآخر للرقص والمشاركة، وكان من ضمنهم محدثتكم. ومن هنا ومن أول يوم، بانت لي طباع الهنود في الترحيب والرغبة في المشاركة وحتى المساعدة، سواء أكان ذلك في الأماكن السياحية أو المطاعم أو الفنادق أو الشوارع.
من مومباي «الشابة» انتقلت بعدها بشهور إلى نيودلهي «الأم». بداية الرحلة كانت في الجزء القديم والتاريخي من دلهي، حيث جامع مسجد والقلعة الحمراء والأسواق القديمة. كل شيء يمكن لمحه في الشوارع المزدحمة من السيارات و»التكتك» إلى الدراجات والكلاب والماشية، بالإضافة إلى الناس العابرة هنا وهناك.
المدينة آمنة إلى درجة ما، ولكن ليس أكثر من مومباي، هذا ما يخطر على البال عند قراءة حوادث إطلاق النار في المزارات السياحية، والتي غالباً ما يكون ضحاياها سياح بطبيعة الحال.
الجزء الحديث من المدينة يزخر بالفنادق الفخمة والمطاعم والمباني الحكومية المنتشرة في خارطة نيوديلهي الكبيرة. ولا يمكن لأحدهم زيارة نيودلهي إلا ويزور تاج محل -أحد عجائب الدنيا السبع- في مدينة أقرا البعيدة عن نيودلهي 210 كيلومترات تقريباً. وكما يقول الهنود لا تكتمل رحلة نيودلهي- أقرا إلا بزيارة ولاية جيبور، أو المدينة الوردية، كما يعتزون بتسميتها.
لا يجد المرء في «أقرا» الكثير لفعله أو رؤيته بجانب تاج محل وقلعة «أقرا»، ولكن ذلك يكفي وأكثر. لرخام تاج محل الأبيض سحره وروح مدينة بأكملها.
انتهت رحلتي في نيودلهي. وزاد خبر إطلاق الهند ١٠٤ أقمار صناعية إلى الفضاء في يوم واحد، إعجابي بالهند أكثر. وكان البعض ممن أعرفهم لا يزالون يلحون علي بالسؤال: لماذا الهند؟
لا أعرف لماذا، ولكني أعرف بأن جميع الناس لديهم القدرة بأن يعبروا عن رغبتهم في الذهاب إلى لندن وباريس ونيويورك، لأنها المدن التي رأيناها وأُعجبنا بها في الأفلام والمسلسلات والقصص والروايات والأحاديث المتناقلة، ولكن ليس أي شخص لديه القدرة والجرأة، وخاصة في مجتمعاتنا، بأن يقول أريد أن أذهب إلى الهند، أو بوليفيا، أو جنوب إفريقيا، أو غيرها من المدن التي لم نسمع أو نرى منها إلا القليل. هل يرجع ذلك إلى خوفنا من المجهول؟ لا أعرف. هل السبب في تكويننا الاجتماعي والنفسي؟ لا أعرف. كل ما أعرفه بأن السفر يبني ويهذب الشخصية والشخص، ويكون ذلك على مستوى أكبر إن كان إلى الأماكن غير المتوقعة والمنسية أكثر من الوجهات البراقة والمصورة في المجلات الملونة بدقة عالية.
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر