الاثنين، 8 مايو 2017

أهم الدراسات العلمية

لا أستطيع أن أتذكر عدد المرات التي قرأت فيها دراسات تؤكد على أضرار أكل البيض يومياً، ودراسات أخرى تكذب هذه الأضرار، ودراسات ثانية تحذر، ودراسات تطمئن الناس حول الأشياء نفسها! وهكذا، حتى أصبح من المستحيل فتح الصحيفة صباحاً، وعدم إيجاد دراسة ما، في صفحاتها الأخيرة.
نستفيد كثيراً من الدراسات العلمية، لأننا نحصل على معلومات لم نكن لنحصل عليها بمفردنا، والمعرفة قوة، أليس كذلك؟ نعم، ولكن ليس دائماً. 
لتفهم عزيزي القارئ مقصدي، سأذكر لك مثالاً للعالم دانيال كاهنمان من كتابه الجميل «التفكير بسرعة وببطء»، يتكلم كاهنمان في كتابه عن مدينتين تم إجراء دراسات حولهما، حيث إنه في إحداهما ترتفع نسبة مرض السرطان بشكل هائل، أما الثانية فينخفض فيها معدل مرض السرطان بشكل كبير. 
حاول العلماء دراسة أسباب ارتفاع وانخفاض السرطان في كلتا المدينتين، والمثير في الأمر، أن الأسباب متعاكسة ومتقابلة في المدينتين، رغم تشابههما في الظروف! فكلتا المدينتين عادية وبعيدة عن صخب وتيرة الحياة، فتجد العلماء ينسبون ارتفاع معدل مرض السرطان في الأولى لقلة توافر الخدمات الطبية المناسبة، وفي الثانية يرجعون انخفاض نسبة المرض للهدوء وبعدها عن التلوث بجميع أنواعه!
يغفل العلماء بكل بساطة واقع المدينتين، وأن كلتيهما ذات نسبة سكانية قليلة، أي أن «ظهور» ارتفاع معدل مرض السرطان أو انخفاضه للعيان سيكون حقيقة لا مفر منها للعين المجردة الدخيلة على هذه المدينة أو تلك، لأن عدد سكانها في الأصل قليل جداً! ويكمل كاهنمان قوله، إن الدراسات حول هاتين المدينتين قد تتغير مع الوقت، خاصة مع تغير التعداد السكاني للمدن!
يشير كاهنمان في الكتاب نفسه إلى خطأ كثير من العلماء، ومن ضمنهم هو نفسه، وقت قيامهم بدراسات متعددة في مختلف المجالات، عبر استخدام عينات عشوائية من المتطوعين، والاكتفاء بها، وإن كان عدد الأفراد فيها قليلاً جداً! الحقيقة أن كثيراً مما يُنشر من الدراسات في المحافل والمواقع المختلفة يعتمد على هذه العينات العشوائية، وذلك لا يكفي لتحديد استنتاج أو خلاصة حول موضوع ما عن الجنس البشري، المعلومة التي ذكرها كاهنمان نعرفها، ولكنها غالباً ما تسقط من رؤوسنا عند قراءتنا لدراسة ما.
تذكرت وأنا أحضر لمقالتي هذه، حدثاً وقع بيني وبين طبيبتي الخاصة، كانت تحضني على ضرورة حصولي على الفيتامينات المختلفة، فأخبرتها عن دراسة قرأتها مؤخراً عن الفيتامينات، وكيف أنها تقصر من عدد سنوات حياة الإنسان، نظرت إلي بكل هدوء وقالت: «يا ابنتي، هذه دراسة، ستظهر بعدها دراسات كثيرة، لسنا متأكدين من أي منها، وما نعرفه أن الفيتامينات مهمة وضرورية ومفيدة للإنسان، وفي النهاية، الإكثار من أي شيء يضر الإنسان، وهذا ما لن تفعليه في هذه الحالة».
يمكنني أن أعطيك عزيزي القارئ 20 سبباً آخر لتكذيب الدراسات المنشورة، و20 سبباً آخر لتصديقها، ولكنني لا أطلب منك تكذيبها أو تصديقها، كل ما سأفعله هو إخبارك أنه ليس عليك أن تصدق أو تكذب أي شيء، ويجب عليك في المقابل قراءة الدراسات بدقة شديدة وعين ثاقبة، من أين وعبر من أُخرجت؟ وكيف؟ وعلى أي أسس علمية؟ وماذا عن ماهية وكمية العينات المدروسة؟ وهل هي عشوائية وكافية أم لا!
هذا هو رأيي المبني على دراسات خاصة بي.



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...