الناس أنواع، أناس يعرفون من هم و ماذا يريدون أن يكونوا في المستقبل، و أناس يعرفون من هم و لكنهم لا يعرفون ماذا يريدون أن يصبحوا، و أناس لا يعرفون من هم و لا ماذا يريدون أن يكونوا! الفئة الأولى هي الفئة الأكثر حظاً في هذه الحياة، و التي يعرف أفرادها أنفسهم و ماذا يرغبون من هذه الحياة و إلى أي مدى يطمحون إلى الوصول. و الفئة الثانية هي الفئة التي ستصبح يوماً ما، بالعمل و الإيمان من الفئة الأولى، فاهمين أنفسهم و عارفين أهدافهم، أما الفئة الثالثة، فهي الفئة التي ضمتنا يوماً ما جميعنا في كنفها، فخرج بعضنا منها، و بقي بعضنا الآخر ليكمل بحثه عن معنى الحياة وهدفها أو لينعم في كسله و اتكاله على الغير.
لاحظوا، أنه لا وجود لفئة لا تعرف نفسها و تعرف ماذا تريد أن تكون، لأنه لا يمكنك أن تجهل مكنونات نفسك و رغبات روحك، و أن تعرف في الوقت نفسه، ماذا تريد أن تكون! باختصار، لا يمكنك أن تصل إلى وجهتك و أنت تجهل مكانك!
كيف لنا أن نصل إلى ما سافر إليه أصحاب المجموعة الأولى؟ و لا أقصد معرفة أهدافنا أو ما نريد فعله في هذه الحياة، بل أقصد الشق الأول من رحلتهم وهو معرفة النفس و ما يختلج داخلها.. حيث أننا ما إن نعرف أنفسنا و دوافعنا حتى تسهل علينا أمور الدنيا و نلج بسهولة و دون جهد إلى طموحاتنا و أحلامنا.
كيف لنا إذاً، أن نعرف أنفسنا و أن نتعرف على الشخص الحقيقي بداخلنا؟ كيف لنا أن نسطر مبادئنا و قيمنا، و أن نجد و نتبين خطوطنا الرفيعة في شخصياتنا؟
الحقيقة أن لا شيء أصعب من اكتشاف المرء لنفسه و ماهيته، و رغم أن البعض يكتشف نفسه بدون جهد أو محاولة مضنية إلا أن هؤلاء لا يمثلون سوى قلة قليلة من الناس.
اكتشاف النفس و الروح تذكرني بمقولة مايكل أنجلو عن عملية النحت: "إن الجسم موجود في كتلة الرخام، و لا يبقى علينا سوى انتزاعه منها، و إن بدا ذلك مستحيلاً". اكتشاف النفس و معرفة خبايا أرواحنا بهذه الصعوبة و نحن بلا عبقرية مايكل أنجلو! ولكنها عملية كما قال عنها مايكل أنجلو، ليست مستحيلة!
يجد الانسان نفسه و روحه و شخصيته، عندما يبحث و يجرب الحياة. حين يقرأ و يسافر و يصاحب الناس. عندما يخرج إلى العالم و يختبره قبل أن يختبره العالم بدوره. يصل الانسان لنفسه و مكنوناته عندما يخرج من صندوق راحته و يلعب و يعمل و يسمع الموسيقا و يشاهد الأفلام، و يجرب فيُخطأ حتى يصل إلى الصواب.
يجد الانسان نفسه عندما يجلس مع نفسه، و يسألها عن نفسه، و يفتح حديثه الداخلي مع روحه. عندها سيصل الانسان إلى الجزء الثاني من حياته، الوقوف على أهدافه و طموحاته و أحلامه في الحياة. و وقتها، يحلو العيش، و تتضح معاني الحياة.
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق