الثلاثاء، 9 نوفمبر 2021

التعليم من أجل قطر

 عندما أفكر بالمواد التعليمية التي درسناها في المدرسة، وخاصة في المرحلة الابتدائية، أتساءل: ما المعلومات أو المهارات التي بقي أثرها في الذاكرة؟ ما الذي ضاع وما الذي دام؟ ولماذا فُقِدَ ما فُقِدَ وترسخ ما ترسخ؟ سواء استطعنا تذكُّر ما درسناه في المدرسة، أو عجزنا عن تذكُّره أو تحديد محله في ذاكرتنا، ما تشربناه في المدرسة، هو ما كوَّن جزءا كبيراً من شخصياتنا ومستقبلنا.

تغيرت المناهج التعليمية، وتطورت مع تغير الوقت والأحداث، ولكن المواد التعليمية المُدَرسة ما زالت كما هي: اللغة العربية.. اللغة الإنجليزية.. الرياضيات.. العلوم.. مادة التربية الإسلامية.. التاريخ.. الجغرافيا.. الرياضة وغيرها من المواد الثقيلة والكثيرة على الطالب. أقول الثقيلة والكثيرة على الطالب، لأنه سيُختبر فيها جميعها آخر السنة حتى ينجح وينتقل إلى مرحلة جديدة. وما الذي سيبقى من معلومات ومهارات بعد كل هذا الضغط والدراسة؟
ليستفيد الطالب من المدرسة على أكمل وجه، يجب أولاً، أن تتم مراجعة المواد التعليمية وكميتها في المرحلة المدرسية حتى تواكب مستوى وقوة المرحلة الجامعية في قطر. ويجب أن تبدأ هذه المراجعة في ماهية هذه المواد ومدى إضافتها للطالب نفسه في كل مستوى من الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية. ويُحبذ إضافة مواد جديدة ممتعة ومفيدة للطالب في المستقبل، مثل البرمجة وأساسيات البحث العلمي والفلسفة والموسيقى. ولا بأس في تقطير المواد التعليمية بما يناسب دولتنا واحتياجاتنا وبيئتنا، كما تفعل بقية الدول. ففي روسيا مثلاً يتم تدريس مادة محو الأمية المالية، وفي أستراليا المشهورة بأمواجها العملاقة، يتم تدريس ركوب الأمواج، وفي باشكورستان يتم تدريس تربية النحل.
ثانياً، يجب إعادة النظر في طريقة التعليم المستخدمة في المدارس. تلقين الطالب وحفظه للمعلومة كمعيار للنجاح في المدرسة لن ينفعه اليوم ولا في المستقبل. فالمستقبل مرسوم للمفكرين القادرين على حل المشاكل وفك شيفرتها. ولذلك علينا توفير الأدوات والوسائل التعليمية اللازمة لحصول ذلك. تعليم الطالب التفكير النقدي وأساسيات البحث العلمي ومنهجياته والاعتماد على نفسه عندما يتعلق الأمر بمستقبله، أمر ضروري.
أخيراً، اختيار المعلمين الأكفاء وتهيئتهم وتدريبهم على تدريس الأطفال. فلن ينفع تغيير المناهج التعليمية أو طريقة التدريس بلا معلم قادر على تحفيز الطلاب وتشجيعهم على الفضول والتعلم والحلم والتفكير النقدي.
من المفترض أن تكون المدرسة واحة لخيال الطفل لا طريقة لسجنها وكبحها بالمواد الكثيرة غير المفيدة. ولن نجد هذه الواحة بتلقين الطالب المعلومات المرسلة والمهارات الغابرة. ولن نعثر عليها بتعيين معلمين غير مهيئين لذلك، بل سيكتشف الطالب واحته عندما نعطيه حريته والأدوات التعليمية اللازمة للبحث عنها وعن نفسه، وهذا هو ما ليس متوافراً اليوم للأسف.

جواهر محمد آل ثاني

صحيفة الشرق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...