الأربعاء، 12 أكتوبر 2022

أزمة "حكم" الرضاعة

  

 

في الأسابيع الماضية، انتفض الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ضد المحامية نهاد أبو القمصان عضو المجلس القومي لحقوق الانسان في مصر، بعد نشر فيديو لها على الفيسبوك، تقول فيه بأن الإسلام لم يُجبر المرأة على إرضاع أولادهن. و استدلت المحامية بقوله تعالى في سورة البقرة: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(٢٣٣). و قوله تعالى في سورة الطلاق: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ) (٦). و هذا الحكم عام في حق الزوجة و المطلقة، و هو مذهب الشافعية و الحنابلة، و هو الراجح لعموم الآية.

الحلال بين و الحرام بين، و الأوضح منه بياناً، هو الجواز و الوجوب في العبادات و المعاملات، ففي هذه لدينا القرآن الكريم و السنة النبوية، للاستيضاح و التأكد. و موضوع الرضاعة و أجر الرضاعة ظاهر حكمه في القرآن الكريم، و منذ أيام الرسول عليه الصلاة و السلام و حتى وقت قريب، كن بعض النساء لا يرضعن أولادهن لأسباب صحية أو نفسية أو طلاق أو غيره من الأسباب، فكان الأطفال يرضعن من امرأة أخرى بأجر أو بدون أجر على حسب الاتفاق! و لم يكن ذلك مستنكر أبداً. أما اليوم، فالعرف الاجتماعي يقضي في الكثير من البلدان، قيام المرأة بإرضاع ولدها بنفسها و بدون أجر.. فلمَ نستنكر إن لم تقدر المرأة على الرضاعة أو أرادت أجراً على ذلك مستدلة بحكم سنده القرآن الكريم؟! العرف الاجتماعي فقط، هو ما جعل تصريحات نهاد أبو القمصان مضحكة للبعض، جاهلين بأن هذا هو الشرع، و أنهم بعيدين كل البعد عن الحقيقة و أنهم يختارون فقط من الشرع ما يعجبهم و يريدونه!

يجوز للأعراف الاجتماعية أن تحكم في حال كانت المعاملة جوازية بين الأفراد، ما دام تم الاتفاق على حكم العرف بدلاً عن الشرع. كما هو الحال في تأثيث بيت الزوجية أو إقامة حفل العرس أو الصرف على الأولاد، ففي الشرع، يكون كل ذلك على عاتق الزوج لا الزوجة، و لكن جرى العرف الاجتماعي على إمكانية الاتفاق بين الزوجين على هذه الأمور، فقد تقوم الزوجة بالمساعدة في تأثيث المنزل أو الصرف على الأولاد أو إقامة حفل العرس و هكذا.. هذا جوازي لأن الشرع أجازه، و لكن إن أرادت الزوجة التمسك بحقوقها الشرعية فيجوز لها ذلك أيضاً، مهما استنكر من استنكر في برامج التواصل الاجتماعي!

يقول الله تعالى في سورة البقرة: ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ) (٨٥). يجب أن يضع الجميع هذه الآية نصب أعينهم، عند الحديث عن أحكام القرآن الكريم، و عدم أخذ جزء منه و ترك جزء آخر لمصلحة شخصية أو لمصلحة الغير. باختصار، لا يجب على أحد أن يأخذ الأمور بشخصية عند الحديث عن أحكام القرآن الكريم أو السنة النبوية، وعدم إنكار الحلال و الجائز لتبرير مآرب شخصية و خاصة، و كل من يفعل ذلك، يجب أن يأخذ نظرة طويلة في نفسه، و يسأل نفسه: ما سبب هذه العصبية في طرح الرأي و في الحديث عن الشرع و الحرام و الحلال؟ هل هي من الشرع أم من نفسي؟

 

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...