الثلاثاء، 4 يوليو 2023

اصنعوا عملاً سيئاً!

 

 

الكُتاب يكتبون.. النُحات ينحتون.. الممثلون يمثلون.. المغنون يغنون.. المهندسون يرسمون.. رجال الأعمال يخططون.

‏كلٌ يفعل ما يجيده، وهذا ما يجب أن يكون عليه الوضع. لذلك ستكون هناك أيام، يكتب فيها الكُتاب صفحات مليئة بالهراء.. وستكون هناك أيام، يصنع فيها الحرفيين سلات يرمونها في القمامة.. وستكون هناك أيام-إن لم تكن أسابيع أو سنوات-تنزل فيها أسعار أسهم شركة أحد رجال الأعمال.. و قد تمر سنوات دون أن يستطيع فيها رسام أن يعرض لوحاته في أحد المعارض لأنها سيئة للغاية! ولا بأس بذلك، فهذا كله جزء من الحياة، و الحياة كما نعرفها، متقلبة!

يقول صانع الأفلام الأمريكي الشهير جاي جاي ابرامز: “قضيت فترة الجامعة و أنا في غرفتي أكتب.. كل ما كتبته كان سيء، و لكني كنت أكتب، و عندما كنت أخرج من غرفتي، كنت دائماً أصادف بعض الطلاب الذين يتحدثون دائماً عن الكتابة و صعوبتها، و لكنهم كانوا دائماً في الحفلات.. لم يكونوا يكتبون!”.

‏قيامك بعملك و صناعتك لعمل سيء، لا يعني بأنك سيئ في هذا العمل-على الأقل ليس في البداية-ولكن ما يعنيه ذلك هو أنه عليك أن تعمل بجد حتى تصل بعملك إلى الطريق أو المكان الذي تريده أو تتمناه. و جزء من محطات هذا الطريق هو صناعة عمل أو فن سيء، كما يشير إلى ذلك الكاتب اوستن كليون في كتابه (Keep Going).

‏اصنع عملاً سيئاً أو اخلق فناً رديئاً حتى تستطيع الوصول إلى العمل أو الفن الذي تفخر به، و لكن لا تتوقف عن العمل! لا تقف جامداً و الحياة تمر أمامك! أو كما يقول نزار قباني: "قولي.. انفعلي.. انفجري.. لا تقفي مثل المسمار!".

و تقول جودي بيكولت: " يمكنك دائماً أن تعدل على صفحة سيئة الكتابة، ولكن لا يمكنك أن تعدل صفحة فارغة لم تكتب فيها شيئاً!".

‏صناعة العمل السيئ هو جزء من حياة المبدع. لا أحد منا سيكتب أو سينتج عملاً كاملاً طوال الوقت. لا أحد سيكون فنان رائع كل يوم، ولكن على الفنان أن ينتج و ألا يتوقف، ولذلك نُكمل حتى في الأيام التي نكون فيها فنانين سيئين لأن هذه الأيام هي التي ستؤدي بنا إلى الوصول إلى الأيام التي نكون فيها رائعين!

‏ولذلك يا معشر الفنانين والمبدعين، لا تتوقفوا عن صناعة الفن، أبدأوا و لا تتوقفوا، وإن مرت بكم أيام سيئة، فالجميع يمر بأيام سيئة! و اعرفوا بأن الفنانين يبالغون في الشعور في أيامهم السيئة، و في جلد ذواتهم على أعمالهم و قدراتهم و قيمتهم. فلا تجعلوا ذلك يحبطكم و يثبطكم، ويبعدكم عن الفن و مجاله وأهله. تأكدوا أن الاستمرار في العمل سيدفع بكم نحو القيام بأعمال أعظم و أكبر حتى و إن أخفقتم أو فشلتم في بعض الأحيان! 

افتخروا بأيامكم التي فشلتم أو أخفقتم فيها، لأنها أيام عملتم فيها ولم تتكاسلوا! علقوا صفحاتكم الرديئة أو رسماتكم المضحكة أو قرارتكم الطالحة على مكاتبكم. كي تروها أمامكم و تتذكروا، وكي تكون الدافع لكم إلى الأمام، لا المرساة التي تجركم إلى أعمق نقطة في محيط اليأس. الفنان الحقيقي أكبر من هذا المحيط.

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...