مدخل الحديقة:
الكلمات المعبرة كالمدن البعيدة جميلة، ولكن ما إن نقترب منها يخفت جمالها أو يزيد، بحسب المكان وساكنيه.
باب سري:
يتفق الكل حول أن منظراً خارجياً بديعاً يطل عليهم من بلكونة أو حديقة، كفيل بإدخال سعادة مستترة إلى أنفسهم، حتى وإن لم يعطوا هذا المنظر أهميته من حين إلى آخر. والنفس البشرية تحتاج إلى منظر خارجي يعبر عنها للغير، لا بالماديات فقط، بل بالمعنويات أيضاً، التي تكون الكلمات أهمها، لمكانتها بين أدوات التواصل. وما أجمل أن نسعى وراء رقي اللغة التي نتبادلها مع الناس، فنحن من تنعكس علينا الكلمات، أما نحن فلا ننعكس عليها، لأن للكلمات أعراضاً غير محمية يمكن لأي أحد استباحتها، ولكن لا يحميها إلا النبيل الشهم، الذي يعتبر كلامه سلاحه، ووعده هدفه الذي يجب عليه إصابته.
نحن نهم بقدر كلماتنا، وكلماتنا مهمة بقدر أفعالنا، فلا هيبة للكلمة بدون فعل، ولا حتى للصمت هيبة دون فعل، للكلمات هيبتها -فقط- في حين الفعل، أما في ما عدا ذلك فلا تحتاجنا، وإن احتجناها في غير فعل لم تكن كلمات، كانت ثرثرة، ومجموعة منظمة من اللغو المسموع أو المسطر.
في نهاية الأمر لا يهم استخدامنا مفردة معينة أو لفظاً محدداً، كل ما يهم هو ما قصدناه من ورائها، وما تكلمناه عبرها، وما خللناه بها، فالكلام كالفواكه المعلبة إن لم يُحمل بكلمات مثل شكراً وعذراً، وعفواً، عفن! والكلام الجميل يرتكز على اللغة المتقنة القوية التي لا تحتك بلغة غيرها، ما لم تكن مرغمة على ذلك. فيستوي أن تكون اللغة إنجليزية أو عربية أو فرنسية، المهم أن تكون اللغة متقنة كي يكون الكلام جميلاً، فاللغة تعبر عن الكلام بقدر ما يعبر الكلام عن الإنسان.
فمن ذا الذي يهتم باللغة التي كتب بها لوركا قصيدته الموت الأسود، وهو يقرأ:
«أريدُ أن أغفوَ غفوة التفاحْ
أريدُ أن أبتعدَ عن زحمة القبورْ.
أريدُ أن أنام نومة طفلٍ
أرادَ شقَّ قلبِه بعيداً في البحور.
لا أريدُ أن يخبروني مرة ثانية كيف تحتفظ الجثة بدمِها
كيفَ أن الفمَ المتفتتَ يظل ينشد جرعة ماء
لا أريدُ أن أسمع عن فصولِ التعذيبِ التي أعدها العشب
ولا عن القمر الذي أتم أعماله قبل الفجر
وأنفه الأشبه بالثعبان»؟
من ذا الذي يهتم بالأداة، ما دامت الغاية كاملة الإتقان، عظيمة التعبير؟
باب خلفي:
أجمل ما في الكلام، قدرته على الوصول، وأجمل ما في المتحدث قدرته على اختيار كلماته بدقة، تناسب كل زمان ومكان. وبما أن عصر العزلة انتهى والعالم بطريقة وأكثر أصبح أشبه بالقرية الصغيرة، فإن اختيار الكلام المناسب أصبح طريقة من طرق التعايش في العصر الحالي. من أراد الاندماج مع الناس، سيختار كلماته كما يختار ملابسه في المناسبات الكبيرة، ومن لم يرد ذلك، فالأجدر له أن يبحث عن قرية معزولة يعيش فيها وحده!
الكلمات المعبرة كالمدن البعيدة جميلة، ولكن ما إن نقترب منها يخفت جمالها أو يزيد، بحسب المكان وساكنيه.
باب سري:
يتفق الكل حول أن منظراً خارجياً بديعاً يطل عليهم من بلكونة أو حديقة، كفيل بإدخال سعادة مستترة إلى أنفسهم، حتى وإن لم يعطوا هذا المنظر أهميته من حين إلى آخر. والنفس البشرية تحتاج إلى منظر خارجي يعبر عنها للغير، لا بالماديات فقط، بل بالمعنويات أيضاً، التي تكون الكلمات أهمها، لمكانتها بين أدوات التواصل. وما أجمل أن نسعى وراء رقي اللغة التي نتبادلها مع الناس، فنحن من تنعكس علينا الكلمات، أما نحن فلا ننعكس عليها، لأن للكلمات أعراضاً غير محمية يمكن لأي أحد استباحتها، ولكن لا يحميها إلا النبيل الشهم، الذي يعتبر كلامه سلاحه، ووعده هدفه الذي يجب عليه إصابته.
نحن نهم بقدر كلماتنا، وكلماتنا مهمة بقدر أفعالنا، فلا هيبة للكلمة بدون فعل، ولا حتى للصمت هيبة دون فعل، للكلمات هيبتها -فقط- في حين الفعل، أما في ما عدا ذلك فلا تحتاجنا، وإن احتجناها في غير فعل لم تكن كلمات، كانت ثرثرة، ومجموعة منظمة من اللغو المسموع أو المسطر.
في نهاية الأمر لا يهم استخدامنا مفردة معينة أو لفظاً محدداً، كل ما يهم هو ما قصدناه من ورائها، وما تكلمناه عبرها، وما خللناه بها، فالكلام كالفواكه المعلبة إن لم يُحمل بكلمات مثل شكراً وعذراً، وعفواً، عفن! والكلام الجميل يرتكز على اللغة المتقنة القوية التي لا تحتك بلغة غيرها، ما لم تكن مرغمة على ذلك. فيستوي أن تكون اللغة إنجليزية أو عربية أو فرنسية، المهم أن تكون اللغة متقنة كي يكون الكلام جميلاً، فاللغة تعبر عن الكلام بقدر ما يعبر الكلام عن الإنسان.
فمن ذا الذي يهتم باللغة التي كتب بها لوركا قصيدته الموت الأسود، وهو يقرأ:
«أريدُ أن أغفوَ غفوة التفاحْ
أريدُ أن أبتعدَ عن زحمة القبورْ.
أريدُ أن أنام نومة طفلٍ
أرادَ شقَّ قلبِه بعيداً في البحور.
لا أريدُ أن يخبروني مرة ثانية كيف تحتفظ الجثة بدمِها
كيفَ أن الفمَ المتفتتَ يظل ينشد جرعة ماء
لا أريدُ أن أسمع عن فصولِ التعذيبِ التي أعدها العشب
ولا عن القمر الذي أتم أعماله قبل الفجر
وأنفه الأشبه بالثعبان»؟
من ذا الذي يهتم بالأداة، ما دامت الغاية كاملة الإتقان، عظيمة التعبير؟
باب خلفي:
أجمل ما في الكلام، قدرته على الوصول، وأجمل ما في المتحدث قدرته على اختيار كلماته بدقة، تناسب كل زمان ومكان. وبما أن عصر العزلة انتهى والعالم بطريقة وأكثر أصبح أشبه بالقرية الصغيرة، فإن اختيار الكلام المناسب أصبح طريقة من طرق التعايش في العصر الحالي. من أراد الاندماج مع الناس، سيختار كلماته كما يختار ملابسه في المناسبات الكبيرة، ومن لم يرد ذلك، فالأجدر له أن يبحث عن قرية معزولة يعيش فيها وحده!
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق