الخميس، 19 يونيو 2014

عن نصف الدنيا

(1)
أجمل الأغاني تلك التي نعشق بسببها الفتاة التي يعنيها الشاعر، وأجمل القصائد تلك التي يغنيها معنا الشاعر، فنكون كلنا في الدور الرئيسي لا ككومبارس.
أجمل اللوحات، هي المركونة في جانب قصي، لا يلاحظها سوى من نظر في الغرفة فعلاً.
أجمل المسرحيات أقلها كلاماً ورقصاً، فكل حركة وكلمة تُحفظ، إلا التعابير والمشاعر، لا تُفعل، بل تكون فقط.
أجمل الروايات أكثرها تحليلاً للواقع وتوقعاً له، لأنها تكثر فيما يختصره الشعر، وتوضح الطريق عندما يضيع عنه النثر.
أجمل التماثيل هي ما خرج من صخرها وجليدها المجسم بولادة طبيعية لا قيصرية، وكما أوضح مايكل أنجلو هي من وظيفة النحات أن يكتشف التمثال من داخل الصخر.
أجمل الأفلام ما يدهشك بفكرة أو إحساس لم يكن ليخطر على بالك لولاها.
كثيرة هي الأشياء الجميلة حولنا، علينا فقط أن نتذكر أثر العلوم الإنسانية عليها، ولمسة الفنون الجميلة فيها، فالفنون تفعل وتغير في العالم مثلما يغير الطبيب والمهندس والمحامي في ما حوله وما يتصل به لأسباب عمله، وربما أكثر. فجراح العظام مثلاً هو نحات يعالج اللحم والعظم، والمهندس بلا مثلث وفرجار عامل بناء يعمل بعشوائية، والمحامي المفتقر لأي حس فني هو محام يعمل بحسب النص فقط، بلا الروح التي تسكن القانون.

(2)
كتبت كمبرلي باين: «إلى فناني العالم: إنكم تنقذون البشر أيضاً!»، وقد صدقت. بعيداً عن أجمل لوحة وأجمل أغنية، هل لك أن تتصور عالماً يفتقر لتمثال أو فيلم واحد؟ سيكون هناك عالم بدون فن عندها، ولكنه سيكون جامداً بارداً قاسياً، وغير مريح، مثل كمبيوترات آبل القديمة قبل أن يضيف إليها ستيف جوبز الواجهة الملونة ذات الأيقونات المختلفة.
يظن الكثير بأن العلوم الإنسانية والفنون الجميلة هي أقل من التخصصات العلمية الأخرى، وأكبر مثال على هؤلاء هم الآباء والأمهات في الدول العربية المختلفة والذين يضغطون في الكثير من الأحيان على أبنائهم كي يلاحقوا مهناً معينة كالمحاسبة أو الهندسة أو الطب، والحقيقة أن كلها تخصصات متساوية في الأهمية، وأن هذه الفكرة السائدة في المجتمعات العربية هي ما يقتل الإبداع فيها، إلى جانب قدم وجمود مناهج الفنون في الجامعات العربية.

(3)
نهضة الدول تكون بيُسرى العلم ويُمنى الفن، والخيال نصف العلم، والفن أبو الخيال وعراب كل الأشياء الجميلة، ابتداء من أحدث الاختراعات إلى الأفلام المستقلة ذات الميزانية الصغيرة.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...