الخميس، 19 يونيو 2014

جيل الكَم

عندما طلب مني رئيس تحرير صحيفة «العرب» الأستاذ أحمد الرميحي أن أكتب للصحيفة، سألني عندها أهم سؤال على أي كاتب تُنشر مقالاته أن يطرحه على نفسه قبل أن يفعل غيره: «هل تريدين أن تكتبين بشكل يومي أم أسبوعي أم شهري؟». تذكرت سؤاله وجوابي، وأنا أقرأ نقاشاً بين كاتب وقارئ يدافع فيه الأول عن مقاله الذي يصف فيه بنات بلده بالغبيات والقبيحات، بسؤاله للثاني: «هل تعرف كاتباً ذا عمود يومي يحافظ على مستواه في الكتابة على الدوام؟». لم يكن في قول الكاتب الشاب أي دفاع عن النفس، بل تأكيد لخطئه فقط فيما خصص له مقال كامل، وهذا ما قد يقع فيه أي كاتب أو حتى أي عامل في أي مجال عندما يربط الكيف بالكم والكم بالكيف دون أن يهتم بمزاج «الكيف» أكثر.
مع تطور التكنولوجيا من حولنا من أجهزة وتطبيقات وبرامج، تسندها شبكة إنترنت واسعة أصبحت في متناول الجميع تقريباً، أصبح الجميع، وخاصة الشباب منهم، ينشر يومياته وصوره وتعليقاته وكتاباته دقيقة بدقيقة على مواقع كالإنستغرام وتويتر والفيس بوك، وغيرها من مواقع وبرامج تبرز يومياً. هذه العوامل لم تولد جيلاً يهدف إلى توثيق كل ما به وما يحصل حوله فقط، بل جعلته أيضاً يسعى إلى إبراز نفسه عبر هذه القنوات وبين أقرانه. تدني سوق مبيعات الكتب أدى أيضاً إلى زيادة حركة النشر المكتوبة للشباب، بسبب ركض الناشرين وراءهم في محاولة لتعويض خسائر السوق. كل ذلك، وأكثر وصل بنا إلى حركة مجنونة من النشر الورقي والإلكتروني من قبل الجيل الشاب في محاولة لإبراز الذات وإثبات النفس في مجالات عدة كالتصوير والإخراج والكتابة، وخاصة في الإطارات السردية كالمذكرات والقصص والمقالات، وهذا ما لا يعيبه شيء إلا عندما تغلب فكرة الكم على الكيف، وعندما ينقلب هم الكاتب من كتابة مقالة أسبوعية أو شهرية متميزة ومبدعة إلى كتابة مقالة عادية يومية.
أحرص على القراءة للكتاب من ذوي الأعمدة الأسبوعية والشهرية في الصحف والمجلات أكثر من غيرهم من ذوي الأعمدة اليومية -مع وجود بعض الاستثناءات- لأني أعرف أنهم يخصصون بعضاً من يومهم للكتابة والأكثر منه للبحث والقراءة في مختلف المجالات، ويكفيني وإن لم يحصلوا على جرعتهم من البحث والقراءة، خبرة أسبوع أو شهر كامل من المواقف والنقاشات التي خاضوها خلال تلك المدة.
سألني رئيس التحرير الأستاذ أحمد الرميحي مرة أخرى بعد أكثر من سنة على كتابتي لهذه الصحيفة بشكل أسبوعي إن كنت أريد أن أكتب مقالتين في الأسبوع، فأجبته بنفس إجابتي الأولى، بأنني سأكتفي بمقالة أسبوعية، لأنني عرفت بأن انشغالي بأعمال أخرى، سيجعلني أظلم نفسي قبل قرائي بكتابة عمود، يضيع وقتهم بلا فائدة، وذلك هو مقبرة أي قلم.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...