الاثنين، 18 يناير 2016

امسك دفتراً

كتب الأميركي هنري ميللر في روايته "كابوس مكيَّف الهواء" الآتي: "كنت غالباً ما أقف عند الطاولة وأسجل في ذلك السجل السماوي بنوداً صغيرة لا حصر لها تؤلف حسابات الكاتب: أحلاماً، خطط هجوم ودفاع، ذكريات، عناوين كتب صممت على قراءتها، أسماء وعناوين دائنين محتملين، تعبيرات آسرة، محررين يجب حثهم على الإسراع في العمل، ساحات القتال، نصب تذكارية، معتزلات رهبانية وما إلى ذلك.
وأتذكر بوضوح الإثارة التي انتابتني وأنا أدون كلمات مثل موبايل، نهر سواني، نافاخوس، الصحراء المرسومة، النحل القاتل، الكرسي الكهربائي".
إذا اعتقدت عزيزي القارئ أنني سأحدثك عن سجلات الكتاب أو ملاحظات الصحافيين فأنت مخطئ، ولكن ما سأتكلم عنه سيشملها لأن موضوعي عن التدوينات الشخصية أياً كانت وسيلة التوثيق: جدار كهف كأسلافنا الأولين.. دفتر ملاحظات ماركة مولسكاين.. صفحة وورد محفوظة على جهاز مكتبي.. أو حتى موقف أو موقفين كُتبا في تطبيق لحفظ اليوميات مثل day one أو my daily journal.
التدوينات الشخصية هي ما يفضي به الإنسان لنفسه، وقد يشارك به غيره إن أراد. وهي لا تقتصر على مهنة أو حرفة أو فرد أو فردين.. يمكن لأي شخص أن يبدأ التدوين في مكان خاص به ولأفكاره، ليكتب مشاعره وأحلامه وأهدافه ومبرراته ومشاكله وتاريخه وحاضره وتصوراته ومراجعاته، وكل ما يخطر على باله. تدوينة بسيطة على الطريقة المذكورة عبارة عن علاج نفسي مجاني للروح والعقل والجسد الذين يمرون بالكثير يومياً مع تزايد تعقيدات الحياة. تدوينة كهذه ستكون مثل ممارسة الرياضة الجسدية، فيها الكثير من تفريغ الشحنات، والعديد من محاولات قمع التوتر والأفكار السلبية.
شخصياً، وعلى غرار التجار في قطر، أمسك ثلاثة دفاتر وإن اختلفت معهم في النوع. الأول، أسجل فيه يومياتي منذ استيقاظي من النوم وحتى رجوعي إليه. والثاني، الأصغر حجماً يحمل بين جلدتيه أي فكرة تجذبني وأجذبها وأشعر بأنها قد تكون ذا فائدة عند جلوسي إلى الكمبيوتر المحمول للكتابة. أما الثالث، فهو لعملي كقانونية، أدون فيه الأشياء التي تعلمتها والمعاملات التي استلمتها أو سأسلمها.
سأشاركك عزيزي القارئ مقتطفات كتبتها في دفتري الأول، عل وعسى أقنعك بمسك دفترك الخاص وبدء الكتابة. واسمح لي أن أقترح عليك القراءة بصوت مورغان فريمان لئلا يصيبك الملل.

يوم السبت:
رتبت ركناً للكتابة في مكتبة البيت على سبيل التغيير ليس إلا؛ حيث إني أحب الكتابة في أي مكان وكل زمان، وقد كتبت سابقاً في مطارات وطائرات وحدائق وأمام البحر وخلف البر وفي الجامعة والمقاهي المختلفة وبين الأصدقاء والغرباء، وهذا ما أنوي الاستمرار عليه.

يوم الأحد:
كتبت مقالة بعنوان "امسك دفتراً" وما زال علي مراجعتها.

يوم الاثنين:
جمعت اليوم بين سقراط والفضاء. قرأت أكثر عن سقراط ومحاكمته من قِبَل شاعر وسياسي وخطيب مغمور قبل إعدامه. وبالنسبة للفضاء، كان فيلم the martian أقل من توقعاتي والتوصيات، وأضعه في المرتبة الثالثة بعد interstellar وgravity المفضل لدي.

يوم الثلاثاء:
الذاكرة لعنة.. نقمة.. سحر أسود.. تسونامي ناعم. بسببها يتذكر الشخص ما لا يستطيع الحصول عليه، وما لا يستطيع وضع يديه حوله.

يوم الأربعاء:
أرسلت مقالة "امسك دفتراً" إلى الصحيفة.

أيام الخميس والجمعة والسبت أحتفظ بها لراحة بالي وسعادتي، لأن السعادة تكون في مشاركة بعض الأشياء لا كلها.



جواهر آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...