الجمعة، 8 يناير 2016

الساعة الآن


(الساعة)
الوقت من أكثر الأمور المحيرة للناس، وخاصة العلماء منهم والأدباء. وقد أفنى الكثير من العلماء كآينشتاين وغيره أعمارَهم في دراسة الزمن المشار إليه بالبعد الرابع. وقال بعضهم بما أخذ به آينشتاين بخصوص نسبية الوقت واختلافه، استناداً لمتغيرات السرعة والمسافة. وقال بعضهم بثبات الوقت أياً كانت الحيثيات. أما بالنسبة للأدباء والفلاسفة فالأمر أسهل وأقل ضجراً، فتارة هم يشعرون بأنهم أصغر سناً من أعمارهم الفعلية، وتارة يشيخون وهم لم يتجاوزوا الأربعين بعد. ومنهم من يستعجل الوقت ليلقى حبيبته، ومنهم من يشتكيه ويشكي عمره كما في البيت القائل: «قالوا ماذا تشتكي قلت الثمانينا».
يزداد الوقت تعقيداً وأهمية عندما نعي أن الأديان أيضاً اهتمت به، وجاءت بذكره كقوله تعالى في سورة المعارج: «تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»، في إشارة إلى يوم القيامة. هذا بخلاف ما يشعر به الفرد العادي كل يوم، عندما يسافر أو يعمل أو يقضي أوقاتاً جميلة أو سيئة. ولكل حالة وقتها وسرعتها التي يشعر بها الفرد، سريعة كانت أم بطيئة!.
الحديث عن الزمن يجرنا لزاماً للحديث عن البدايات والنهايات، والكلام عن بداية الزمن ونهايته لم يتحقق منه العلماء حتى الآن، وإن أعطوا حسابات تقريبية بناء على فرضيات تقبل النقض أو الإضافة أو حتى التأكيد، ولهذا سنتكلم عما هو أبسط وأقرب إلى يومنا هذا، وهو بداية السنة الميلادية 2016.
تكثر مع بداية السنة -بجانب الاحتفالات- الأحلام والآمال والأمنيات والقرارات والتوقعات، وكلها بطبيعة الحال تبدأ إيجابية، حتى تنتهي السنة ويشعر أغلبية الناس باحتلال الإحباط حياتهم، لأنهم فشلوا في تحقيق معظم -إن لم يكن جميع- أهدافهم للسنة السابقة. السبب في هذا الفشل الذريع هو تحديد المرء لوقت بدء تحقيق هدفه أو حلمه، فتجده يختار بداية السنة أو الشهر أو الأسبوع، ولا يبدأ من اللحظة الآنية. سيقول الكثير إن الهدف من تحديدهم لوقت البدء في مشاريعهم وأهدافهم هو الترتيب والتنظيم أو غيره، والحقيقة أن تحديد الوقت يجدر أن يكون تحديداً لوقت البدء والانتهاء معاً من العمل على المشروع أو المخطط أو الهدف، وليس نقطة البداية العائمة فقط. وهذا هو أكبر فارق بين الشخص المتميز والشخص العادي، فالأول يحدد وقت بداية وانتهاء عمله على مشروعه، ويبدأ العمل في لحظتها وإنجاز أكثر مما يتوقعه هو أو يطلبه غيره. أما الفرد العادي فالتأجيل من صفاته القولية والفعلية، وعندما يعمل سينجز المطلوب منه فقط أو سيعطي بقدر ما يأخذ.


(الآن)
حتى يبدأ المرء العمل عليه أن يعثر على الحافز الذي سينشطه ويضعه على الطريق الصحيح، عليه أن يشعل المحرك لدوافنه ويجعله دافعه إلى الأمام. وعندها سيكون التاريخ مجرد رقم في الروزنامة، والوقت نافذة تطل منها شمس أحلامه.




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...