تخيلوا طلب أحدهم منكم الدخول إلى مكان جديد لم تدخلوه من قبل والعثور على شيء معين، وعندما دخلتم هذا المكان وجدتم على الأرض شريط أبيض يمتد على مرأى أعينكم.
والآن تخيلوا لو دخلتم هذا المكان ووجدتم شريطين، الأول أخضر والثاني أحمر.
أو تخيلوا دخولكم المكان وعثوركم على لوحة كتب عليها: «اتبع الشريط المعلق».
رغم أني أعطيتكم خيط الخيال فقط، إلا أنني أستطيع أن أروي لكم ما ستفعلونه في الحالات الثلاث السابقة.
في الحالة الأولى، ستتبعون الشريط الأبيض، لا لشيء سوى الفضول.
في الحالة الثانية، ستلحقون الشريط الأخضر بلا تردد، وعندما يفضي إلى لا شيء قد تمشون وراء الأحمر لإشباع فضولكم لا غير.
في الحالة الأخيرة، ستحاولون العثور على «الشريط المعلق» في كل غرفة تدخلونها حتى لو كنتم متأكدين في داخلكم بأنه لا وجود لشريط معلق أو غير معلق.
لا تخافوا، لست منجمة ولا تلزمني قدرات خارقة حتى أعرف ماذا كنتم ستفعلون لو وجدتم أنفسكم في أحد الخيالات السالفة، ولكني أعرف بأني كنت لأفعل الشيء نفسه معكم، لأن هذه ببساطة هي الطبيعة البشرية.
القواعد والحدود والضوابط والقيود والشروط -أياً كان ما نعطيه من أسماء لتلك الخطوط الوهمية- كلها تحكم حياتنا منذ الصغر حتى نهاية الطريق. بعضها ضروري لإدارة حياتنا والمجتمعات، وبعضها زائد عن الحاجة كزائدة دودية. بعضها تكون أقرب إلى المعوقات، وبعضها لا نعرف الهدف منها. أياً كان شخص من وضع هذه القواعد أو الأوامر المبطنة في طريقنا، العائلة.. المجتمع.. المدرسة.. الدولة، الأغلبية ستتبع القواعد وستنصاع لها. من جهة، هذا يولد النظام والترتيب ويمدنا «بالأمان» والراحة النفسية، ومن جهة أخرى يصنع أفراد ومجتمعات روبوتية لا تخرج عن المألوف وتمشي بحسب قواعد الكتاب في كل شيء بلا إبداع أو خيال.
القواعد الكثيرة الوضعية، خصوصاً للأطفال، تقتل الإبداع والقدرة على التعبير. بالطبع هناك قدر ضروري منها للنظام وتنمية الحس الأخلاقي ولكن ليس لأكثر من ذلك. يجب أن تكون لدى صغار السن المساحة الجسدية والنفسية والعقلية للمشي والطيران والتفكير خارج الصندوق. الحلول المصنوعة لعالم اليوم من هواتف نقالة أصغر من كف اليد والطائرات بدون طيار والسيارات خارقة السرعة، ومشاريع وشركات الفضاء الخارجي، كلها لم تخلق على أيدي أناس يحترمون القواعد كثيراً أو أناس وضعت أمامهم عراقيل في صورة ضوابط وقيود.
هذا يأخذني إلى فيلم good will hunting حيث يكتب بروفيسور في الرياضيات معادلة على لوح خارج الصف حتى يحاول الطلاب حلها على الرغم بأنه أخبرهم بأنها «مستحيلة الحل». يقوم في الأخير will hunting عامل النظافة بحل المعادلة. رغم عبقرية will.. هل يمكننا شطب احتمال حله للمسألة لأنه لم يعرف بأنها مستحيلة الحل كما كانت في نظر البروفيسور؟ وربما استعصى على الطلاب حلها لاقتناعهم بأنها مستحيلة الحل؟
علينا أن نعي بأن بعض القواعد وضعت لمساعدتنا، وعلينا إزالتها ببساطة لو تحولت إلى عقبات. تقدمنا يرتبط بتحررنا من القيود الواضعة لحواجز نفسية تحمل عبارات: «لا يصح!».. «عيب!».. «خطأ».. «لا يناسبك!».. «فشل غيرك وستفشل أنت أيضاً!». كلها خطوط حمراء وهمية كما خط الاستواء وجرينتش.
أخيراً، الطيور لا تطير لأن ذلك يوافق قواعد الفيزياء، الطيور تطير وتهاجر في الزمان والمكان الصحيح، لأن ذلك ما يناسبها، وهذا ما يجب أن نكون عليه.
اسمحوا لي بأن أقول لكم: «اجعلوها قاعدة في حياتكم!».
الخميس، 21 أبريل
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
والآن تخيلوا لو دخلتم هذا المكان ووجدتم شريطين، الأول أخضر والثاني أحمر.
أو تخيلوا دخولكم المكان وعثوركم على لوحة كتب عليها: «اتبع الشريط المعلق».
رغم أني أعطيتكم خيط الخيال فقط، إلا أنني أستطيع أن أروي لكم ما ستفعلونه في الحالات الثلاث السابقة.
في الحالة الأولى، ستتبعون الشريط الأبيض، لا لشيء سوى الفضول.
في الحالة الثانية، ستلحقون الشريط الأخضر بلا تردد، وعندما يفضي إلى لا شيء قد تمشون وراء الأحمر لإشباع فضولكم لا غير.
في الحالة الأخيرة، ستحاولون العثور على «الشريط المعلق» في كل غرفة تدخلونها حتى لو كنتم متأكدين في داخلكم بأنه لا وجود لشريط معلق أو غير معلق.
لا تخافوا، لست منجمة ولا تلزمني قدرات خارقة حتى أعرف ماذا كنتم ستفعلون لو وجدتم أنفسكم في أحد الخيالات السالفة، ولكني أعرف بأني كنت لأفعل الشيء نفسه معكم، لأن هذه ببساطة هي الطبيعة البشرية.
القواعد والحدود والضوابط والقيود والشروط -أياً كان ما نعطيه من أسماء لتلك الخطوط الوهمية- كلها تحكم حياتنا منذ الصغر حتى نهاية الطريق. بعضها ضروري لإدارة حياتنا والمجتمعات، وبعضها زائد عن الحاجة كزائدة دودية. بعضها تكون أقرب إلى المعوقات، وبعضها لا نعرف الهدف منها. أياً كان شخص من وضع هذه القواعد أو الأوامر المبطنة في طريقنا، العائلة.. المجتمع.. المدرسة.. الدولة، الأغلبية ستتبع القواعد وستنصاع لها. من جهة، هذا يولد النظام والترتيب ويمدنا «بالأمان» والراحة النفسية، ومن جهة أخرى يصنع أفراد ومجتمعات روبوتية لا تخرج عن المألوف وتمشي بحسب قواعد الكتاب في كل شيء بلا إبداع أو خيال.
القواعد الكثيرة الوضعية، خصوصاً للأطفال، تقتل الإبداع والقدرة على التعبير. بالطبع هناك قدر ضروري منها للنظام وتنمية الحس الأخلاقي ولكن ليس لأكثر من ذلك. يجب أن تكون لدى صغار السن المساحة الجسدية والنفسية والعقلية للمشي والطيران والتفكير خارج الصندوق. الحلول المصنوعة لعالم اليوم من هواتف نقالة أصغر من كف اليد والطائرات بدون طيار والسيارات خارقة السرعة، ومشاريع وشركات الفضاء الخارجي، كلها لم تخلق على أيدي أناس يحترمون القواعد كثيراً أو أناس وضعت أمامهم عراقيل في صورة ضوابط وقيود.
هذا يأخذني إلى فيلم good will hunting حيث يكتب بروفيسور في الرياضيات معادلة على لوح خارج الصف حتى يحاول الطلاب حلها على الرغم بأنه أخبرهم بأنها «مستحيلة الحل». يقوم في الأخير will hunting عامل النظافة بحل المعادلة. رغم عبقرية will.. هل يمكننا شطب احتمال حله للمسألة لأنه لم يعرف بأنها مستحيلة الحل كما كانت في نظر البروفيسور؟ وربما استعصى على الطلاب حلها لاقتناعهم بأنها مستحيلة الحل؟
علينا أن نعي بأن بعض القواعد وضعت لمساعدتنا، وعلينا إزالتها ببساطة لو تحولت إلى عقبات. تقدمنا يرتبط بتحررنا من القيود الواضعة لحواجز نفسية تحمل عبارات: «لا يصح!».. «عيب!».. «خطأ».. «لا يناسبك!».. «فشل غيرك وستفشل أنت أيضاً!». كلها خطوط حمراء وهمية كما خط الاستواء وجرينتش.
أخيراً، الطيور لا تطير لأن ذلك يوافق قواعد الفيزياء، الطيور تطير وتهاجر في الزمان والمكان الصحيح، لأن ذلك ما يناسبها، وهذا ما يجب أن نكون عليه.
اسمحوا لي بأن أقول لكم: «اجعلوها قاعدة في حياتكم!».
الخميس، 21 أبريل
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق