ما أول فكرة تطرأ على بالك عندما تفكر بالاختباء؟ طاقية أو عباءة الخفاء -بحسب الفيلم المفضل- الركض إلى غرفة النوم وإغلاق الباب؟ آخر مكان يمكن لأي شخص التفكير به؟ هذه الأفكار العادية الطارئة عندما يبحث عنك غريب أو عندما لا تريد لأحد -ببساطة- العثور عليك لأي سبب كان. ولكن ماذا لو كان هذا «الشخص» الذي تختبئ منه، هو أنت نفسك؟
يتناول فيلم «joy» قصة حياة جوي مانجانو، برتوش إضافية. فيه نشاهد جوي تربي أبناءها وتعتني بعائلتها، وفي الوقت نفسه تحاول تذكر ما كانت عليه في صغرها عندما كانت تخترع الأشياء على الدوام. يطرأ ذكر حشرة الزيز الدورية على لسان شخصية ابنتها، وهذه الحشرة الغامضة تقضي من ١٣ إلى ١٧ سنة مختبئة تحت الأرض، لتخرج بعدها فوق الأرض في الوقت الذي يناسبها! تفكر جوي في أوجه الشبه بينها وبين هذا المخلوق الصغير، وتسمع كلمات حكيمة قيلت لها بأن من يختبئ لا يختبئ عن العالم والناس فقط، بل عن نفسه أيضاً.
طبيعي أن نستتر وننزوي على أنفسنا لأسباب كالحب والخوف، فكل مخلوقات الأرض تختبئ، ولكن لا أحد يختبئ من نفسه سوى الإنسان. والسبب وراء ذلك الشعور بالأمان الزائف والخوف من التغيير والفشل والخروج عن المألوف أو عن توقعات الناس.. وكل الأسباب الوهمية وغير المثمرة الأخرى. وكل هذا الاختباء يخلق شخصاً آخر، يحب ويجامل ويرقص ويحيا باسم نفسه لحساب الغير. يخطئ الإنسان ويخطئ غيره بتوجيهاتهم العفوية والمقصودة.. بانتقاداتهم السلبية ونقدهم الحاد غير المفلتر. يساعد المرء الناس بخنوعه، على جعل نفسه نسخة مكررة أو مقلدة عن غيره من «المقبولين». ومن المثير للسخرية أن الكثير من المقبولين اليوم كانوا في بداياتهم مرفوضين لأنهم -بدون تكلف- مختلفون.
وهؤلاء المختلفون لم يختبئوا، ولم يسمحوا لغيرهم بإملاء ما يجب عليهم فعله وما يجب عليهم تركه. اختاروا الحرية، وأتاحوها لغيرهم. ومن هؤلاء أذكر السيناريست الأميركي دالتون ترامبو الحائز على جائزة الأوسكار عن فيلمي «العطلة الرومانية» و»الشجاع». دافع ترامبو عن آرائه السياسية في حقبة كانت الولايات المتحدة تكره وتخاف الشيوعية والاختلاف، وظل على مبادئه حتى بعد خروجه من السجن. لم يختبئ من نفسه ولم يخف منها واستمر في طريقه، في أوقات عرف لو أنه شابه غيره فيها لما كان قد وُضع في القائمة السوداء، ولما خسر فيها عمله وأُجبر على الكتابة بأسماء مستعارة.
أن يحيا المرء مختبئاً طوال حياته هو هدر للنفس والأنفاس، وفي كل مرة يخطر على بال أي منا ذلك لإرضاء شيء أو شخص غير نفسه، يجب علينا إعادة التفكير وتذكر بأن أمامنا حياة كاملة للاختباء تحت الأرض. الفرق الوحيد أنه -وقتها- سيكون الخيار الوحيد ولا رجعة.. ولا مفر.
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
يتناول فيلم «joy» قصة حياة جوي مانجانو، برتوش إضافية. فيه نشاهد جوي تربي أبناءها وتعتني بعائلتها، وفي الوقت نفسه تحاول تذكر ما كانت عليه في صغرها عندما كانت تخترع الأشياء على الدوام. يطرأ ذكر حشرة الزيز الدورية على لسان شخصية ابنتها، وهذه الحشرة الغامضة تقضي من ١٣ إلى ١٧ سنة مختبئة تحت الأرض، لتخرج بعدها فوق الأرض في الوقت الذي يناسبها! تفكر جوي في أوجه الشبه بينها وبين هذا المخلوق الصغير، وتسمع كلمات حكيمة قيلت لها بأن من يختبئ لا يختبئ عن العالم والناس فقط، بل عن نفسه أيضاً.
طبيعي أن نستتر وننزوي على أنفسنا لأسباب كالحب والخوف، فكل مخلوقات الأرض تختبئ، ولكن لا أحد يختبئ من نفسه سوى الإنسان. والسبب وراء ذلك الشعور بالأمان الزائف والخوف من التغيير والفشل والخروج عن المألوف أو عن توقعات الناس.. وكل الأسباب الوهمية وغير المثمرة الأخرى. وكل هذا الاختباء يخلق شخصاً آخر، يحب ويجامل ويرقص ويحيا باسم نفسه لحساب الغير. يخطئ الإنسان ويخطئ غيره بتوجيهاتهم العفوية والمقصودة.. بانتقاداتهم السلبية ونقدهم الحاد غير المفلتر. يساعد المرء الناس بخنوعه، على جعل نفسه نسخة مكررة أو مقلدة عن غيره من «المقبولين». ومن المثير للسخرية أن الكثير من المقبولين اليوم كانوا في بداياتهم مرفوضين لأنهم -بدون تكلف- مختلفون.
وهؤلاء المختلفون لم يختبئوا، ولم يسمحوا لغيرهم بإملاء ما يجب عليهم فعله وما يجب عليهم تركه. اختاروا الحرية، وأتاحوها لغيرهم. ومن هؤلاء أذكر السيناريست الأميركي دالتون ترامبو الحائز على جائزة الأوسكار عن فيلمي «العطلة الرومانية» و»الشجاع». دافع ترامبو عن آرائه السياسية في حقبة كانت الولايات المتحدة تكره وتخاف الشيوعية والاختلاف، وظل على مبادئه حتى بعد خروجه من السجن. لم يختبئ من نفسه ولم يخف منها واستمر في طريقه، في أوقات عرف لو أنه شابه غيره فيها لما كان قد وُضع في القائمة السوداء، ولما خسر فيها عمله وأُجبر على الكتابة بأسماء مستعارة.
أن يحيا المرء مختبئاً طوال حياته هو هدر للنفس والأنفاس، وفي كل مرة يخطر على بال أي منا ذلك لإرضاء شيء أو شخص غير نفسه، يجب علينا إعادة التفكير وتذكر بأن أمامنا حياة كاملة للاختباء تحت الأرض. الفرق الوحيد أنه -وقتها- سيكون الخيار الوحيد ولا رجعة.. ولا مفر.
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق