الخميس، 2 يونيو 2016

بضيافة جبران



أقرأ هذه الأيام «النبي» لجبران خليل جبران، و لا أستغرب وصوله العالمية. فحديثه عن الحب يشعرني بأنه وسيلة كافية لإصلاح العالم.
و حروف «الالم» في كلماته تزرع القشعريرة في جسدي و تجمع قلبي و عقلي في وعاء سرمدي تحمله الطبيعة.
حتى الحديث عنه يجر أسلوبه الهادىء المتمكن، و يجعل الانسان و خاصة الانسان الكاتب أو الكاتب الانسان في حالة تحدي و استنفار رومانسية! هل أعي معاني الحرية و العدالة و القوة و التفوق و الحياة و الموت؟ أم أجهلها أو أجهل التعبير عنها؟ و ما الفرق بين معانيها النظرية و الواقع؟ و على أي منهما نحكم بالصواب أو الخطأ في حالات التشابه و الإختلاف؟ فلربما يعرف الجنس البشري طريقة واحدة لمعنى معين يكتشف في النهاية بأنها الطريقة الخطأ..
حدثني جبران عن الحب فقلت، هو السر و ليس البئر.. هو الماء لا الدلو. هو النجم الذي لا نراه إلا بعد سفره في رحلة النسيان. حياة في موت، و موت فيه حياة. هكذا يولد الحب و هكذا يفنى.
حدثني عن الحرية فقلت، من يستحقها يعتقد بأنها سؤال و من لا يستحقها يراها جواب. الفريق الأول يظن بأنها سؤال الغايات و المعاني الصحيحة و يجزم الفريق الثاني بأنها أم الوسائل و الطرق الفسيحة.
حدثني عن العدالة فقلت، قواعدها موجودة و كل يريد تطبيقها و لكن على غيره.. في أصعب اختبار للانسان و قدراته.
حدثني عن القوة فقلت، أن تعرف مكامن ضعف غيرك فتحفظهم.. أن تسأل عند الحيرة و الجهل.. أن تقْدم عند الخوف.. أن تعطي عند التردد.. أن تصارع حتى الرمق الأخير.. أن تخرج من السرير في أكثر الأيام حرارة و برودة.. أن تواجه الناس و تجاملهم دون أن تحتاجهم.. أن تقنع نفسك بأنك قوي و تتصرف على أنك كذلك، هذه هي القوة.
حدثني عن النجاح فقلت، خدمة الغير و العمل على إفادتهم قبل الإفادة الشخصية. و في كثير من الأحيان يرتبط النجاح بالعمل الجماعي الجيد.
حدثني عن الحياة فقلت معرفة الناس و الأشياء، و الإستفادة منهما في إكمال كل يوم على حدة.. و كل يوم ينقسم إلى أجزاء صغيرة من الوقت و المكان و الأشياء و علينا الإحتفاظ بأكبر قدر منها.
حدثني عن الموت فقلت أبرز مخاوف الانسان و أعظمها. أكبر حافز للانسان و أصغره.. بحسب زاوية النظر. الموت هو ما يعطي كل شيء أو لا شيء لمعنى الحياة. الموت هو التوأم الأصغر للحياة، يلحق أخيه في كل مكان و لا يتركه، و عندما يتركه.. يتركه كي يلحقه الى الهاوية.
حدثني عن الصداقة فقلت، يجب على المرء أن يكون له حليف في هذه الحياة.. حتى يسعد و يزدهر.
حدثني عن السعادة و الحزن فقلت،الأول شعور استثنائي غير طبيعي يُسرق أو يُستعار ولا يُملك، أما الثاني فهو الحالة الطبيعية للانسان.
حدثني حتى طوى الليل صفحة السماء، و رجعت إلى رحم الطبيعة، حيث كل شيء طاهر لا يلامسه سوى الجمال و بعض من الكمال.



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...