الخميس، 2 يونيو 2016

في كل بيت لوحة



الإبداع يُولد الجمال، والجمال يُولد الجمال في مدن كلندن وباريس ونيويورك، تتزين الشوارع والساحات والمباني بالأعمال الفنية المختلفة مما يترك أثره على المقيم.. نفسياً وروحياً وفنياً واجتماعياً، وفي قطر نملك بعضاً من الفن هنا وهناك، ويجب التنويه بأني لا أقارن في مقالتي حول النوع والكمّ فلا مجال في هذه أو تلك لأسباب عدة لا أريد من جعلها أعذاراً، ولكني أرغب التعرض في الفن وأن نجعله جزءاً رئيساً من حياتنا عبر اقتنائه وتشربه ورؤيته في كل مكان.. فلا يُعقل أن يُصب جل الجهد على الدول والحكومات ممثلة في قطر مثلاً في وزارة الثقافة والرياضة وهيئة متاحف قطر، ولا تكون للفرد مبادرة خاصة وبصمة تُجمل العالم يداً بيد وواحدة وراء الأخرى؛ ولأن الجمال الخارجي مهم بقدر الجمال الداخلي وله تأثيره الكبير عليه، أقترح عليك عزيزي القارئ أن تعلق لوحة فنية في بيتك أو محل عملك أو أن تقتني أي عمل فني تعرضه في المكان الذي تختاره.
أقترح أن يكون في كل بيت لوحة على غرار كتاب في كل بيت، وكلا الشيئين مهمين، والفرق بأن الكتب موجودة في كل منزل أما الأعمال الفنية فتختفي عن الساحة ولا أتحدث هنا عن اللوح المرسومة التي تُشترى بغير طعم أو الأثاث والأواني الصينية التي تملء الفراغات المادية دون الروحية.. أتحدث عن الأعمال الفنية الحقيقية التي تصرخ في الروح وتطبل على جدران القلب ويكون اختيارها بناء على وعي شاعري وهيام مفكر.
فرق آخر بين الكتاب واللوحة أو العمل الفني هو أن اللوحة تحمل معها قرارات كثيرة، فالمشتري لا يبتاعها فقط بل يأخذ معها معانيها وأختامها ورسائلها المحمولة في عروقه، ويقرر معها مكانها بدقة تناسبه وتناسب الجمال الذي سيظهره للغير، ويقرر أيضاً ما إذا كانت ساعته الزمنية تتواءم مع ما وقع عليه اختياره.
لا يلزم أن تكون اللوحة غالية الثمن أو مُنتجة من قبل فنان شهير أو كبير، ولا يجب أن تكون مألوفة لأعين المجتمع، لا يهم كل ذلك.. كل ما يعني هو ما تشعر به عزيزي القارئ اتجاهها، والمكان والزمان والشعور الذي تأخذك إليه.
واسمح لي أن أتسرع قليلاً وألا أسميك بالقارئ في نهاية المقالة، فأنت الآن يا عزيزي فنان.. فتقدير الفن واحترامه فن أيضاً بل وفن رفيع المستوى يفصل بينك وبين غيرك من الناس العاديين المملين، ستقول لي وكيف سأعرف العمل الفني وما إذا كان جيداً أم سيئاً؟.
وسأجاوبك بأنك قد لا تعرف أبداً، فكثير من المنظور إلى فنهم اليوم، توصلوا إلى فنهم عبر الصدفة المحضة أو عمل ما يحبون دون أن يعرفوا بأنه قد يهم غيرهم ويثري الحضارة والثقافة الإنسانية. بل وإن بعض الفنانين كان أكثر ما احتفى به الناس هو أعمالهم المنقوصة أو تلك التي ظن الفنان نفسه بأنها لا تساوي شيئاً.
ولذلك أقول لك حاول أن ترى وتسمع وتعرف الجميل من غيره وإن بدا لك في بداية الأمر قبيح، وابْدأ طريق رحلتك بلوحة تختارها شخصياً بعد بحث طويل في الذات.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...