لطالما بحث العلماء و سُحر الأدباء بموضوع العمر السعيد المديد. و من منا لا يشتهي عمر أبدي يصيب و يخطئ فيه، حتى يُتاح له تصحيح أخطائه و الوصول إلى كامل إمكانياته؟ هذا كان موضوع بحث الكاتب الأمريكي دان بويتنر في كتابه (حل المناطق الزرقاء)، و الذي تحدث فيه عن خمسة مناطق في العالم تتركز فيها مجموعات كبيرة ممن تزيد أعمارهم عن التسعين عاماً، يعيشونها بهمة و رضا، و كأنهم شباب بلا أمراض مزمنة و منهكة. هذه المناطق هي آيكاريا في اليونان، و آوكيناوا في اليابان و أوقلياسترا في سردينيا و لوما لندا في كاليفورنيا و شبه جزيرة نيقويا في كوستا ريكا.
يعيش الناس في هذه المناطق عمراً سعيداً و طويلاً وفق ما رآه دان بويتنر و فريق البحث الذي صاحبه في رحلاته إلى هذه المناطق من العالم. و قد لاحظوا عواملاً مشتركة فيما بينهم، تزيد من عمرهم و عمر سعادتهم.
أولها هي الحركة. يشترك المعمرون فيما بينهم بأنهم يتحركون طوال الوقت. يتنقلون بالمشي لا السيارات و وسائل المواصلات العامة. يطبخون طعامهم. يصلحون ما يقدرون عليه بأيديهم. يزرعون حدائقهم.. و هكذا.. يقومون بكل شيء بأنفسهم دون أن يعتمدوا على غيرهم أو على الآلات!
ثانياً، لحياتهم معنى. أي ما يسميه اليابانيون بالإيكيغاي. يستيقظون الصباح لسبب معين، إما الاهتمام بعائلتهم أو أصدقائهم أو الذهاب لعمل يحبونه أو للقيام بهواية تسعدهم، و تضيف البهجة لحياتهم.
ثالثاً، تخفيف توتر و أعباء الحياة عبر الانفصال عن الواقع يومياً، إما عبر الصلاة أو الخروج مع الأصدقاء أو أخذ قيلولة بعد العمل.
رابعاً، الأكل الصحي. جميعهم يأكلون طعاماً من بيئتهم و يعتمدون على الخضروات و الفواكه في حميتهم الغذائية، تاركين اللحوم للمناسبات الاجتماعية. بالإضافة إلى تبنيهم لقاعدة الأكل حتى تمتلئ ٨٠٪ من مساحة المعدة، فقط، و تركهم لباقي ٢٠٪ من المعدة خالية.
أخيراً، جميع المعمرين غير وحيدين. إما لديهم عائلة تحبهم و تهتم بهم و يهتمون بها، أو لديهم أصدقاء يبادلونهم العناية و الاهتمام. و قد أثبتت الكثير من الدراسات العلمية بأن الانسان الذي يمتلك علاقات اجتماعية صحيّة-العبرة بنوعية العلاقات لا عددها-يعيش لمدة أطول من الانسان الذي يعيش لوحده و بوحده.
أسباب العمر الطويل و السعيد ليست مستحيلة، و نستطيع تبنيها على مستوى الدول و المدن كما تم النجاح في تبنيها في أماكن أخرى حول العالم مثل منطقة شمال كاريليا في فنلندا، و التي كانت فيما مضى مركزاً لأعلى نسبة أمراض قلب في العالم، و من بعد جهد و عمل خمس سنوات في محاولة تغيير حياة الناس هناك، نزلت نسبة الموت بالسكتة القلبية بين الرجال بمقدار ٢٥٪، و نسبة الموت بسرطان الرئة بقدر ١٠٪! و تشجع بقية الفنلنديين بهذه التغييرات، فارتفع متوسط عمر الفنلنديين بشكل عام بما يقارب عشر سنوات!
هذه التغييرات ليست عصيبة على مستوى الأفراد أيضاً. كل ما علينا فعله هو أن نولي حياتنا اهتماماً أكبر، و أن نهتم بتفاصيلها.. ابتداء بكم حركتنا و جودة غذائنا و نوعية علاقاتنا.. عندها سنعيش عمراً أسعد و أطول بكامل قوانا العقلية و الجسدية، و من يستطيع القول بأننا لا يمكننا الوصول لقمة المائة؟
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق